شعار قسم مدونات

الماندالا.. حين يتحول الرسم لعلاج

blogs - الماندالا

الماندالا، أو ما يسمى بفن البهجة، هو أحد الفنون المتاحة للجميع، لا يتطلب دراسة ولا موهبة فنية، إذا صادف وكانت أمامك ورقة بيضاء في وقت شرود ذهنك أو حديثك عبر الهاتف أو إصابتك بالملل، ففي أغلب الحالات ستجد أن الورقة قد امتلأت برسوم وأشكال فنية، وهذا مؤشر على أهليتك لرسم الماندالا.
  
ما هي الماندالا؟ الماندالا أو الدائرة، هي مجموعة من الرموز استُعملت من قِبل الهندوسيين والبوذيين للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي، بدأ هذا الفن في منطقة التبت بالهند، ثم انتشر بعد ذلك في الكثير من دول العالم، وتعني كلمة "ماندالا" في اللغة "السنسكريتية" الدائرة أو القرص، والشائع الآن أن "ماندالا" أصبحت مصطلحا عاما لأي تخطيط، جدول أو نمط هندسي، الذي يقدم الكون عن طريق "الميتافيزيقيا" أو "الرموز".
   

إنها عبارة عن دائرة تتكرر فيها الدوائر والأشكال الهندسية المختلفة، وكلما تعمق الرسام في دائرته كلما وصل إلى تركيز وهدوء داخلي عميق، حتى إنك لتحس بجاذبية قوية بين الرسام ودائرته، تجذب عينيه وقلبه وفكره وتركيزه، أما تسميته بفن البهجة، فلأنه يدخل السرور والفرح على النفس، لذلك فهو يعد أحد الفنون التي ثبت علميا دورها الإيجابي في معالجة التوتر الناتج عن ضغوطات الحياة.

كلما تأملت لوحات "الماندالا" على اختلافها وتنوعها، رأيت فيها زخارفَ قصر الحمراء، وبهجةَ جنة العريف، واستنشقت عبير الأندلس الذي يفوح منها، ولمست فيها رقيَّ حضارةٍ كانت من أغنى الحضارات وأَبْدَعِها !

ما هي خطوات رسم "الماندالا"؟ لرسم لوحة ماندالا متقَنة، يجب أن تتوفر على مسطرة ونصف دائرة وفرجار وقلم، تُحدد مركز الورقة، ثم تنطلق منه في رسم دائرة صغيرة، وتوسع فتحة الفرجار شيئا فشيئا حتى تجد أن ورقتك قد غطتها الدوائر، تضع المنقلة على مركز الورقة تماما، مما يساعدك على وضع نقط متباعدة -حسب المقاييس التي تُفَضلها- تمرر من خلالها الخطوط بحيث ينتهي كل خط إلى مركز الورقة (وهي ليست مرحلة ضرورية عند المحترفين في هذا الفن).

     
تأتي المرحلة الممتعة التي ينطلق فيها إبداعك حيث تبدأ في نقش أشكال هندسية حسب رغبتك، وستجد أن الدوائر والخطوط التي حددتَها أولا ستساعدك وتريحك كثيرا أثناء عملية الرسم، أما مرحلة التلوين فهي أمتعُ المراحل كلِّها، وأعجبُها، حيث إنك تصبح عنوان لوحتك بعد التلوين، لا تعجب إذا أخبرتك أننا لو قدمنا نفس اللوحة غير الملونة لأشخاص مختلفين، ثم قام كل واحد منهم بتلوينها لكانت النتائج مُبهرة، ستجد حتما أن كل لوحة مغايرة تماما لأختها، حتى إنك لتكاد تجزم أن كل لوحة منفردة بزخارفها أيضا، ذلك أن لكل شخص رؤية، وذوق، وحالة نفسية، ونظرة خاصة للحياة، تجدها منعكسة جلية على اللوحة الفنية.
     

تأملات في فن "الماندالا"
1- تعلمك المرحلة الأولى المتمثلة في تحديد المقاييس الأساسية -من خطوط ودوائر-، أن التخطيط ووضع المعايير السليمة أمر أساس يتعين علينا القيام به في مختلف مشاريع حياتنا، وأنه بدون تدقيق وتخطيط سليم، سيَضيعُ تناسق وجمال لوحتك، ويضيع معهما تعبك أيضا!
 
2- التأني في الزخرفة ورسمِ الأشكال الهندسية بشكل تدريجي، يعلمك الصبر، ويلقنك درسا مفاده أن لا شيء يأتي في الحياة دفعة واحدة، فبقدر صبرك وتأنيك، تكون فرحتك بلوحتك في النهاية!
 
3- كلما تأملت لوحات "الماندالا" على اختلافها وتنوعها، رأيت فيها زخارفَ قصر الحمراء، وبهجةَ جنة العريف، واستنشقت عبير الأندلس الذي يفوح منها، ولمست فيها رقيَّ حضارةٍ كانت من أغنى الحضارات وأَبْدَعِها!
 
4- ضع أمامك صورة للوحة "ماندالا"، تأملها، دوائر متساوية، خطوط متناسقة، أشكال هندسية متناغمة، زخارف بديعة.. والنتيجة لوحة ذات جمالية وروعة تخطف الأنظار.. هنا يحضرني قول الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ﴾ (الملك: ٣) أي خلق كل واحدة فوق الأخرى، وخلقها في غاية الحسن والإتقان، ما ترى في خلق الرحمن من خلل ونقص.
    
سبحانه جل في علاه، خلق الكون متناسقا متناغما، ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات: ٢١)، وجعل بين أيدينا مادياتٍ وعلَّمَنا كيف نبدع فيها حتى نرى من خلالها جمال صنعته وإبداعه في كونه، فنزداد له حمدا وتسبيحا.. فتبارك الله أحسن الخالقين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان