هؤلاء اللاعبون يَتقاضون مُرتباتهم بالملايين، وهذه ليست قضيتنا أن تَكون لهم هذه الأموال وبعض أبناء الأمة لا تجد اللقمة الواحدة في يومهم، بيد أنهم يأخذون هذه الأموال مِن حقوقنا بِطرقٍ مباشرة وغير مباشرة، ولكنْ القضية كلها تكمن في غيبوبة عقولنا التي سلّمناها لهم بحجة بحثنا عَنْ شيءٍ يُفرِح قلوبنا ويزيل الغمة عنها!
مَنْ يلعب في منتخب مصر إما أن يكون مؤيدًا لعبد الفتاح السيسي أو متبرعًا له بالملايين أو موافقًا علىٰ قراراته وهذا كله علىٰ حساب إنهاك الشعب وتَدميره شيئًا فشيئًا هذا فضلًا عن الذين لا يعنيهم حال الفقراء أصلًا، فلم نلقَ صاحب كلمة حق ينطق بها في سبيل الله مثلما فعل الخلوق محمد أبو تريكة في وجه هذا النظام وجاهد بأمواله وأهله للحق، ولم نلقَ مَنْ يُعارض هذا النظام الفاسد أحد رغم كل الظلم البيّن الذي نَعيشه، طبعًا أنا لا أنتظرُ نَصرًا مِن هؤلاء ولكنْ علينا أن نَعرِف مَن نُشجّع بَعيدًا عَنْ الشعارات السَفيهة التي يرددها البعض بأن هؤلاء يُمثلون الوطن ويُشرفونه والتي لنْ تَنفعنا هي الأخرىٰ بِشيءٍ.
كم يحزننا أن نرىٰ تجمع الشعوب لِمشاهدة لعبة في بلدٍ مثل روسيا التي تُخرّب وتُدمر في بلاد المسلمين، وفي الوقت نفسه ما زال المسجد الأقصىٰ تحت أيادي الصهاينة والأمريكان |
ومَنْ يَتمنىٰ فوز هؤلاء الشِرذمة القَليلة مِنْ اللاعبين هُمْ رجال الأعمال الفسدة وأصحاب الطبقة الأولى مِنْ المجتمع الذين يُؤيدون السيسي بِأموالهم وأنفسهم، غير الممثلين والإعلاميين الذين لا يَشعرون بِغلوِ أسعار ولا ظُلم مَنْ في السجونِ ولا يَهتمون بِحالنا منذ اكتشاف هذه المهنة في مِصر. يقول الكاتب المصري جلال عامر رحمه الله: "إذا أردتَ أنْ تُضيّع شعبًا اشغله بِغياب الأنبوبة وغياب البنزين، ثم غيّب عقله واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة"> اعلمْ أنه في حال كانَ انْتصرَ هؤلاء لَكانت أكبر حِجة لارتفاع الأسعار مِنْ جديدٍ حتىٰ وإنْ كان عبد الفتاح السيسي لا يحتاج لِمثلِ هذه الأمور لِيفعل ما يفعله بنا، وهذا ما يُكرّسه النظام المصري دائمًا لإلهاء عقولنا ونحن لا نَقدر علىٰ التفوه بأي كلمة! إنّما يُريد عبد الفتاح السيسي ومَنْ معه أنْ يَستمر الناس في هذه الغيبة والضلال، ومِنَ الوضاعة أن نستسلم لرغباتهم وحالتنا بهذا السوء!
يُريدوننا أن نَتمتع بِلعبةٍ ونَغفل عَنْ حقوقنا، يُريدوننا أن نفرح بِفوزٍ تافه لنْ يَنفعنا بِشيءٍ ونَنسىٰ نصر ديننا ونَنسىٰ عبادة الله، بينما يَقول رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ". قال النووي في شرح مسلم: المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أنّ الناس يَغفلون عنها ويَشتغلون عنها، ولا يَتفرغ لها إلا أفراد.
كم يحزننا أن نرىٰ تجمع الشعوب لِمشاهدة لعبة في بلدٍ مثل روسيا التي تُخرّب وتُدمر في بلاد المسلمين، وفي الوقت نفسه ما زال المسجد الأقصىٰ تحت أيادي الصهاينة والأمريكان، فَوقت الجهاد في سبيل الله، وحين نصرة أهلنا في فلسطين وتحرير مسجدنا الأقصىٰ المبارك يومًا ما، سَنحتاج وقتئذٍ إلىٰ ربع حماسة جهادنا في سبيل كأس العالم، فقط ربعها ونحرر الأقصىٰ.
يا صديق .. كنّا نُشجّع هذا المنتخب مِنْ قبل أنْ تُولد.. وكنّا نَلعب هذه اللعبة وأنتَ لم تكنْ تَعلم عَنْ فنونها شيئًا.. وأعلمُ سر شغفك بها الآن لأننا كنّا نَعيش نفس الشغف، بيد أننا لم نتعصب لها أو نفعل ما نراه اليوم مِنْ لَهوٍ وغَفلةٍ وغِلظةٍ، ونحن لا نَكره الترفيه ولا نَكره متابعة هذا النشاط والاستفادة منه إذا كانت متابعتنا لعالم الرياضة وممارستها لا تَجعلنا نغفل عَنْ حياتنا، وأُوكِدُ لكَ أننا كنا مُنغمرون في غيبوبتنا، خصوصًا يوم كنّا نَظنّ أنّ فرحتنا في هذه اللعبة التافهة التي تلهي عَنْ غايتنا الحقيقية في هذه الحياة.
واعلمْ كلما رَفَضتَ حقيقة أنّ لعبة كرة القدم هي أفيون الشعوب الأول لِتغييب عقولهم عَنْ غاية الحياة الإسلامية الحقيقية، كلما أعطتكَ الكرة مِنْ مُتعتها كما تَرغبُ، وزَادكَ هذا الرفض بُعدًا عَنِ الحقِّ، ومَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما له مِنْ هادٍ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.