شعار قسم مدونات

الفلاسفة الصغار.. لماذا يستمر الأطفال في طرح الأسئلة؟

مدونات - طفل
يقول فرانسيس بيكون: "إن قليلاً من الفلسفة يجنح بالعقل إلى الإلحاد، ولكن التعمق في الفلسفة خليق بأن يعود بالمرء إلى الدين"، إن الخصائص التي يتميز بها الطفل، والتي لها علاقة بالانفتاح الفكري على العالم الذي يحيط به، لها ارتباط وطيد بخصائص الفكر الفلسفي الجدي.

   

يرى الدكتور والعالم الفلسفي (ماتيوز) أن الفلسفة ليست سوى السذاجة المشروعة: أي أنها تدفع إلى طرح الأسئلة، خصوصا ذلك النوع العميق من الأسئلة في دلالتها، وقد تبدو هذه الأسئلة ساذجة يصعب إيجاد إجابات لها. ويقول الأستاذ ماتيوز "المجتمع يحتاج إلى سقراط عاري القدمين لكي يطرح الأسئلة البسيطة، التي يطرحها الأطفال على الكبار، ولكي يجبر الناس على إعادة النظر والتفكير في كل ما يقبلون به دون تفكير"، فالتفلسف مظهر طبيعي من مظاهر الطفولة ويبدأ بالشك في الظواهر الطبيعية، وهنا الغاية ليست الكشف عن حقيقتها ومن تم إلغاء هذا الشك، وإراحة النفس، بل تعقيد هذا الشك. يقول (برتراند راسل): "إذا كانت الفلسفة عاجزة عن الإجابة عن كل تلك الأسئلة التي نرغب في الحصول علي جواب لها ، فإنها على كل حال قادرة في الحد الأدنى على طرح الأسئلة التي نكتشف من خلالها على الشيء الجديد الغير المعروف".
   

إن هذه العملية التي يمارسها الطفل، ليست عملية تقليدية بل عملية جدية تستحوذ على نشاطاته، وهذه النقطة تستحق التأمل، وتستحق أن نطرح سؤالا عريضا حولها: كيف ولماذا يسأل الطفل؟ يحدد الدكتور (ماتيوز) مراحل التفلسف كالاتي: أولا التعجب والدهشة ثم بعدها مرحلة الألعاب العقلية التي يحبها الأطفال، فهذه الأمور كلها تفتح مجالا واسعا للطفل، من خلاله يطرح الكثير من الأسئلة، والتي قد تبدو للكثير مجرد أسئلة سخيفة، ولكنها في الحقيقة تساهم في تقوية ملكة العقل عند الأطفال وتجعلهم أكثر ذكاء.

 

في الولايات المتحدة الأمريكية أجريت دراسات وأبحاث، الغاية منها الوقوف عند أهمية الفلسفة في حياة المرء، من خلال تدريسها في المرحلة الابتدائية

لقد لاحظ "ماتيوز" أسئلة بعض الأطفال منها سؤال بدأه طفل متسائلا: ماذا يحدث للإنسان إذا نسي اسمه؟ فيجيبه طفل آخر: ربما يسأل أخاه. لكن ماذا لو نسي هو الآخر اسمه فيستمر في طرح مثل هذه الأسئلة، فهو لا يحاول غلق هذه المسألة كما يفعل الكبار، فالكبار لا يفضلون مثل هذه الأسئلة ، لا وقت لديهم للتأمل والوقوف ولو لدقيقة، لرؤية أبعاد هذه الأسئلة البسيطة في الظاهر والخطيرة في عمقها، ويعتبرون طرح الأسئلة عيبا لابد التخلص منه، بل يسعى جاهدا لتوسيعها قدر الإمكان، فكل سؤال يجره إلى سؤال أخر جديد، إنها متعة لا يمل منها ولا يكل.
   
لكن من سيفهم هذا الطفل؟ من سيمنح له الوقت الكافي للإصغاء له والرد على أسئلته؟ يبدو هذا صعبا إلى حد ما، خصوصا في الوطن العربي والمغاربي، فعوض أن نجد من يشجعهم على التفكير، نجد من يقمع كل وسيلة تسعى لتنويرهم وفتح عقولهم، هناك من يشن حربا هوجاء على الفلسفة وممارسيها، هناك فئة تسعى إلى حد هذا التفكير وجعله لا يتجاوز حدود المربع الذي رسمته، إن محاربة الفلسفة: محاربة للعلم والتقدم، محاربة للتحضر والازدهار.
 
في الولايات المتحدة الأمريكية أجريت دراسات وأبحاث، الغاية منها الوقوف عند أهمية الفلسفة في حياة المرء، من خلال تدريسها في المرحلة الابتدائية، احتوت على مبادئ مبسطة في علم المنطق وعلم الأخلاق، وذلك على أساس الأمثلة الواقعية المأخوذة من حياة الأطفال أنفسهم. وبينت النتائج أن إجراء هذه الدروس بمعدل حصتين ونصف في الأسبوع، ساهم في تحسين استيعاب الأطفال للعديد من المواد: كالرياضيات واللغات.
 
هذا النموذج ليست الغاية منه المقارنة وحسب، بل قد يكون جوابا من الأجوبة التي تليق بذلك السؤال، الذي يتكرر دائما: لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟ على العموم هذه الأبحاث أجريت في الثمانينيات وهي بلا شك تعطي ثمارها في الدول المتقدمة، أما نحن فلا مجال للحديث عن التفلسف والفلسفة، فالدولة تحاربها في المرحلة الثانوية فما بالك الاعتماد عليها في المرحلة الابتدائية.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان