تسببت إصابة اللاعب المصري محمد صلاح في نهائي دوري أبطال أوربا بخيبة أمل لكثير من المصريين من متابعي ماتشات كرة القدم أو حتى من غير المهتمين بتلك الرياضة. أعقب خروج محمد صلاح مصابًا من ساحة الملعب في الدقيقة الثلاثين ثورة من الغضب والحزن في قلوب المصريين، وكالعادة شنوا حملة من الانتقادات الواسعة واللاذعة على ما جرى؛ وبينما أتابع التعليقات هنا وهناك صدمني تعليق يقول صاحبه: لم كل هذه الضجة أيها المصريون حول محمد صلاح صحيح أنكم محدثون نعمة. والحقيقة أنه لم يخطأ في كلمته، نحن حديثو عهد بالانتصار؛ بل ربما لم نره في حياتنا كلها إلا لمامًا.
اللاعب المصري محمد صلاح أصبح في عيون المصريين بعدما حققه من إنجازات وانتصارات أكثر من لاعب كرة قدم؛ إذ أصبح نافذة يطلون منها على الأمل. وأصبح بإنجازاته التي لم يسبقها إليه أحد من المصريين أحد أسباب فخرنا بهذا الوطن؛ بل ربما يكون آخرها. فبعد أعوام من الإحباطات المتتالية في شتى المجالات وبعدما خابت كل مساعينا في النجاح أطل علينا بوجه البشوش مُخبرنا بأن الآمال يمكن أن تتحقق، وأنه "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
نحن قوم شببنا على ضياع الآمال بعد وشوكها؛ فزهدنا الأمل، وصرنا نمسك بتلابيب الواقع ونسير معه في أحلك الطرقات بكل تسليم وقهر. لكن نموذج محمد صلاح بما عاناه مثلنا-كأي مصري-بما قيل له مرارًا" لا تصلح"، "لا تقدر"، لن تقدر"، "لا تحلُم" جدد آمالنا وبث الحياة في أحلامنا. ومن هنا صار أملنا فيه كبير في أن يُعيد إلينا ثقتنا في أحلامنا التي فُقدت؛ علنا نلحق بها ذات يوم على اختلاف أحلامنا، واختلاف مجالاتنا.
إصابة محمد صلاح أمس بعدما كان على وشك تحقيق أهم إنجازاته، وبعدما قاد فريقه لنهائي دوري أبطال أوروبا، وفي منتصف الشوط الأول هي خيبة أمل جديدة للمصريين تذكرنا بسجل خيباتنا الحافل بالصدمات. لحظة سقوط محمد صلاح أرضًا تذكرك بنفسك حينما اجتهدت طوال سنين الدراسة حتى تحصل على تقدير ممتاز ليتم تعيينك بالجامعة، ولحسن الحظ بعد كل هذا الجهد تحصل على التقدير الذي كنت تحلم؛ لكن لسوء الحظ تجد أن زميلك ابن الدكتور فلان كان حاضرًا ضمن قوائم المعينين ولم يعد لك مكان. إصابة محمد صلاح أمس تذكرنا بمئات الطلبات التي نرسلها لشركات كبيرة، ونكتشف بعد حين أن الأولوية لمن لهم واسطة داخل الشركة وأن مؤهلاتنا لا تعني شيئًا بعد كل هذا العناء. تذكرنا بانتظارنا في الطابور لساعات وحينما يأتي دورنا نفاجئ بسقوط "السيستم". هكذا اعتدنا على ضياع الأشياء في اللحظة الأخيرة؛ ولأجل أسباب خارجة عن إرادتنا، وليس لتقصير منا.
نحن قوم اعتدنا على أن تضيع ثمرة جهودنا في اللحظة الأخيرة. نحن قوم شببنا على الخيبة وعلى ضياع الأحلام وهي قاب قوسين أو أدنى من التحقق. نحن من ذقنا مرارة الهزيمة بعد النصر. نحن من أوهنهم اليأس وودعهم الأمل. من صاروا لا يطلبون من الحياة الكثير؛ لأنهم اعتادوا ألا يحصلوا على ما يريدون.. هكذا تجري أقدارنا.
الإصابة في عُرف الملاعب أمر عادي، والهزيمة والفوز في الرياضة جائزان؛ لكن ماذا نفعل لتلك القلوب التي عادت من جديد تعتنق الأمل؟ فكل منا صار يرى في حلم محمد صلاح حُلمه الذي ضاع، كنا نرى في نجاحه نبوءة توحي بأننا ربما نقدر ذات يوم؛ لكن إصابته في آخر لحظة رغم بذله لكل الجهد المطلوب أعادت لنا صورًا من كل مرة عُدنا فيها صفرًا خائبين.. وذكرتنا بأنه دومًا ما توجد قوى خفية تحول بيننا وبين نجاحنا وأحلامنا وآمالنا. لذا أنا أتفق جدًا مع القائل بأننا حديثو عهد بالنجاح ولكن ليس فقط فيما يتعلق بكرة القدم؛ إننا حديثو عهد بالأمل، والحماس، والفرح.. نرجو من الله ألا تنطفأ شمعة أملنا وأن يعود محمد صلاح من جديد معافى وبصحة جيدة ليجدد أحلامه ويجدد معها آمالنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.