الإنسانية والدين كلمتان حاضرتان في جميع تفاصيل حياتنا ولكل جماعة رأي خاص بها في العلاقة بينهما، فهل فعلاً لا ينفصل المفهومان عن بعضهم؟ أنا كشاب، كإنسان كعضو أساسي في هذه الحياة، أو على الأقل هكذا يجب أن أكون إلا إذا لم أرغب، أعيش في عدة دوائر متشابكة تتداخل في كثير وتتناقض في كثير، أعيش صراع ما بين التراث والنقل والعقل، ما بين المقدس وغير المقدس، ما بين الهدف الأساسي من الوجود أو التفاصيل المتشعبة، على هذه الأرض سبعة مليار شخص والعديد من المذاهب، أصحاب كل مذهب يدافعون عن رأيهم ومذهبهم حتى الممات، مقتنعين به قناعة تامة إما لمصالحهم الشخصية التي تتوافق تلقائيا مع المعتقد أو للتعبئة العقدية منذ الصغر، ما بين الصحيح والخاطئ تاه الكثير، ولو فكرنا ملياً في قاسم مشترك لا خلاف عليه لدى كل البشر قادر على أن يجمعهم لن نجد سوى الإنسانية عنواناً لنا.
كيف أكون أنا إنسان وما مفهومي عن الإنسانية ومن يعلوا على من: الإنسانية أم الدين؟ إن الإنسانية بكل ما تحمله من صفات هي الأساس والمرجع والمعيار التقييمي لصلاح الإنسان أو فساده، إن كل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية تتقاطع مع القيم الأخلاقية التي هي بعيدة عن الحالة التعبدية، لذا فإن الأديان أتت معززة داعمة للمفهوم الإنساني والذي يجب أن نصونه دائماً في كياننا، نطوره ونعززه ونسعى إلى عدم خدشه أو نقصانه فلا دين بلا إنسانية والعكس غير صحيح.
المفهوم الإنساني يفرض عليك أن تحترم الجميع بكل ما يحملونه من أفكار ومعتقدات وأديان، أن تنظر إلى الجوانب التي تربطك بالآخرين لا التي تفرقك عنهم، أن تبتعد عن تصنيف الناس حسب دينهم ودرجة تدينهم وعرقهم وثقافتهم وانتمائهم، الإنسانية تنقلنا من حالة المشاحنة النفسية والكره إلى حالة السلام الداخلي، حالة من الحب والاحترام للجميع دون شرط أو قيد، وأن نبقى نقف في وجه كل من يعادي القيم الإنسانية.
فالرقي بالأخلاق لا يتطلب بالضرورة تديناً، فقد درج على لسان الكثير أن بعض الأفعال السيئة يقوم بها الأشخاص الغير المتدينين، لكن هل هذا أمر واقعي؟ أن تمتنع عن فعل الأخلاق السيئة ينبع من مفاهيم إنسانية في الابتعاد عن حقوق الآخرين كعدم القتل والسرقة والإساءة والأصل ألا يكون بسبب الخوف من عذاب النار فقط، الإنسانية أخلاق فطرية أسمى من أن يكون العقاب الإلاهي هو معيار ضبطها، كالذي يمتنع عن السرقة خوفاً من السجن لا لأنها تتعارض مع القيم الإنسانية.
كثيرٌ ما يسعى بعض الدعاة إلى إثارة الخوف من المجهول كجزء أساسي من دعوتهم لضبط الحالة الأخلاقية للمجتمعات كأنها الوسيلة الأقوى في ذلك فضلاً عن استخدام نفس الأسلوب من قبل الآباء لغرس الخوف في نفوس أبنائهم منذ الصغر، لذا يجب أن نربي أبنائنا على الأخلاق والقيم الإنسانية ليس خوفاً من المجهول بل حباً في الخير ومساعدة الآخرين وعدم إيذائهم، وأن يكون الحب أساس قوي في جميع جوانب حياتهم.
مفاهيم كثيرة تناقلتها لنا الأجيال رُبطت بالدين بشكل مباشر حتى أن بعضها أصبح جزءاً لا ينفك عن الدين ولكنه في حقيقته صرفَ الدينَ عن مساره الأصلي وحصره في طقوس دينية يؤديها الفرد في مواقيت محددة لنيل رضا الله وحسب، وتم التغافل عن معاني إنسانية عظيمة مما أدى إلى اختلال الميزان، وهنا يجب أن نعود بشكل جدي لفهم أكبر لمفهوم الدين في حياتنا، أن ننتقل من حالة التلقي السلبي إلى حالة من التدبر والتأمل في كتاب الله وسننه الكونية نُؤدبُ ونعلم بها الروح والنفس، أن نخرج من حالة الفهم السطحي للكون إلى فهم عميق يعزز من قيم الإنسان وقدراته.
اذهب في رحلة كونية يومياً، تفكر في كل ما يحيط بك وكل ما تسمع عنه أو تراه تعمق في فهم السبب الأساسي في وجودك على هذه الأرض، أيقنه جيداً وابحث في القيم الإنسانية من حولك عززها في نفسك تعلم من الجميع مهما اختلفت معهم واجعل من حياتك أهداف تسعى من خلالها لنيل رضى الله عنك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.