مؤكد أنكم تتساءلون عن سر هذا الربط غير منطقي بين طارق رمضان المفكر الإسلامي المعاصر وطارق بن زياد قائد جيش الفتح الإسلامي لأوروبا -بمنظورنا المشرقي- وعن ماهية أوجه الشبه التي أود طرحها، أنا لست هنا بصدد إنجاز دراسة مقارنة بين الشخصيتين إنما هذا الربط بينهما ببساطة يعتبر إحدى أغرب التهم التي ساقتها الصحفية والناشطة النسوية الفرنسية "كارولين فوريست" ضد طارق رمضان، فمن وجهة نظرها تسميته "طارق" من قبل جده حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين غير بريئة وليست عبثية وتحمل رمزية تاريخية مهمة، المقصود بها تعيينه من أجل أن يكون "طارق بن زياد" جديد يسعى لغزو أوروبا بالأفكار الإخوانية.
هذه التهمة بالإضافة إلى وضعه مع القضاء الفرنسي ومزاعم الاغتصاب التي تلاحقه أسالت الكثير من الحبر وأثارت جدلا واسعا حول شخصية المفكر وخلفيته الفكرية، فخصومه وجدوا من هذه القضية القضائية فرصة للشماتة منه، فنكلوا به عبر وسائل الاعلام خاصة منها الفرنسية واعتبروه مجرما مدان بصورة نهائية، فوصل بهم الأمر إلى حد التشكيك حتى في صحة شهاداته الجامعية. أما بالنسبة لمناصري المفكر فيعتبرون القضية مجرد فصل من فصول مؤامرة دنيئة تهدف لتشويه سمعته ومن ورائها صورة الإسلام والمسلمين.
بين هذا وذاك المقام هنا ليس لمناقشة القضية من جانبها القانوني فالقضاء الفرنسي يأخذ مجراه والمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته ونتمنى أن تسود العدالة دونما تحيزات سياسية أو إيديولوجية، إنما المقصود تحري الأسباب والدوافع وراء الجدل الذي يصاحب المسار الفكري لطارق رمضان، فلماذا يلقى هذا التحامل الكبير من الاعلام الفرنسي رغم أنه قدم نفسه كحامل لفكر إسلامي معتدل ينبذ العنف والكراهية، وشارك بشكل كبير في رفع مستوى النقاش حول عدة قضايا إسلامية، كما أسهم في محو تلك الصورة النمطية حول الإسلام والمسلمين في أوروبا؟ أم هناك دوائر ضغط ثقافية وأيديولوجية أوروبية منزعجة من الشعبية المتزايدة للمفكر، والتي ربما ليس من مصلحتها تنامي صورة إيجابية وسمحة للإسلام فيها؟
هذا التجاوب الكبير والتفاعل الذي لاقته أفكار رمضان ربما هي من أثارت الريبة حول المشروع الذي يسعى إليه خاصة نظرا إلى انتمائه العائلي |
هذه التهم التي ذكرناها ليست وحدها التي تطال المفكر بل تتعدد لتشمل أيضا تهم بازدواجية خطابه،، فهو في وجهة نظر العديد من منتقديه وفي مقدمتهم دائما "كارولين فوريست"، يخفي وراء شخصية المفكر المجدد والمحاور الذكي المسوقة إعلاميا، شخصية أخرى تروج عبر لقاءات جوارية لفكر ديني شمولي مستمد في مجمله من إرثه العائلي كونه حفيد حسن البنا، هذا الانتماء العائلي أستغل أيضا لتبرير اتهامه بالانتماء فكريا للإخوان المسلمين رغم نفيه ذلك في عدة مناسبات، فهل هناك مخاوف حقيقية من سعي طارق رمضان لصناعة إسلام سياسي في أوروبا وخاصة في فرنسا؟ أم أن هذه الاتهامات تعبر عن قراءة انتقائية لخطابه، وصفها طارق رمضان بخيانة للأمانة العلمية، وقراءة مجتزأة لأفكاره تسعى إلى الرفع من حجم "الإسلاموفوبيا" في أوروبا؟
قدم طارق رمضان نفسه عبر كتاباته ولقاءاته الصحفية كمنتمي إلى التيار الاصلاحي، ويعتمد في منهجه العلمي على قراءة جديدة وحديثة للتراث الإسلامي في ظل معطيات حضارية وثقافية معاصرة، لكن الجديد في فلسفته هو دعوته إلى "إسلام أوروبي" أو "المسلم الأوروبي" حيث طالب المسلمين في الغرب إلى الاندماج والمساهمة في المجتمع مثله مثل غيره محترما قوانين المواطنة التي اعتبرها تتكامل مع الدين الإسلامي ولا تتصادم معه، في هذا الاتجاه صرح قائلا:" هناك تيار إيجابي وحركة، ولكن يجب أن نكون موجودين أكثر في المجتمعات الغربية، وأن يكون الصوت مسموعا، والعمل والنشاط فعالا على الساحة".
لا شك أن هذه الأفكار التي طرحها لاقت صدى واسع لدى المسلمين في أوروبا، وهم كثيرا ما عانوا من أجل التوفيق بين واجباتهم الدينية وحياتهم المدنية، وذلك في ظل قراءة تقليدية وحرفية للنصوص الدينية تتعارض في بعض الأحيان مع القيم الغربية. كما لاق هذا الطرح تجاوبا كبيرا لدى العديد من المفكرين والفلاسفة الفرنسيين وعلى رأسهم "ادغار موران" والذي ألف كتاب مشترك مع طارق رمضان Au péril des idées"" ما يمكن ترجمته بالعربية "في مخاطرة الأفكار" وهو عبارة عن حوار فلسفي بين المؤلفين اشتمل عدة قضايا منها الإسلام واللائكية في فرنسا. هذا التجاوب الكبير والتفاعل الذي لاقته أفكار رمضان ربما هي من أثارت الريبة حول المشروع الذي يسعى اليه خاصة نظرا إلى انتمائه العائلي، فهل حقا يسعى المفكر التأسيس لحركة إسلامية تطمح المشاركة في الحياة السياسية الأوروبية؟

في الأخير القضية القضائية التي يواجهها المفكر طارق رمضان نتائجها حتما ستحمل عدة إجابات للتساؤلات الكثيرة التي طرحناها والفرضيات التي بنينا عليها طرحنا، فإما إدانة تكشف الوجه الحقيقي للمفكر وبالتالي إجهاض مشروعه قبل ميلاده إن كان فعلا يمتلك مشروع، وإما براءة تعيده إلى الواجهة أقوى وتحيل كل من تحامل عليه إلى محاكم الضمير.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.