شعار قسم مدونات

مثقف "التيك أواي"

blogs مواقع التواصل، هاتف ، لابتوب

فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ** حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ

 

مع تطور وسائل التواصل تستطيع أن تصبح مثقف في ليلة واحدة! لا أبالغ أنا على حق بعض الاقتباسات على صفحات التواصل الاجتماعي اقتباسات لـ جان جاك روسو، دوستويفسكي، بوشكين، يوسف السباعي، نجيب محفوظ، أرسطو، ليو تولستوي، نزار قباني، غسان كنفاني، علي عزت بيجوفيتش، أنت الآن مثقف. أعرف من لا يستطيعون أن يكتبوا أسماءهم على حائط التواصل وعندما تقرأ لهم كتاباتهم تقول من أين أتوا بهذا الكم الهائل من المفردات والمعاني القيمة، أكان بركان وانفجر، فتكتشف أنها بين قوسين سرقة، نعم عندما تأخذ منشورا من احدهم، سهر ليله يكتب ويدقق فيه وتنسبه إلى نفسك فأنت سارق، بكل ما تحمل الكلمة من معنى هذا هو مثقف الليلة وضحاها أو مثقف (تيك أواي)، كما أحب أن اسميه.

  

الثقافة هي إنتاج تراكمي لا تستطيع الحصول عليها بكل سهولة بين ليلة وضحاها، بمجرد انك قلت مقولة، أو قراءة رواية، أو تصفحت جريدة، الثقافة تنوع بين مختلف العلوم، حتى تكون مثقف "حاول أن تتعلم شيئاً واحداً عن كل شيء، وكل شيء عن شيء، كما قال توماس هنري ." هذا هو المثقف الحقيقي ليس المزيف الذي يختبئ خلف الشاشة الزرقاء، ولا يستطيع أن يدير حوارا مع نفسه، وتراه يسرق من هذا وذاك. كثيرا ما نرى الذي يضع على حاط التواصل منشورات ليست له وينسبها إلى نفسه يعتقد انه بهذا الفعل ارتقى إلى المعرفة والعلم وأصبح مثقف لا يشق له غبار، يا صديقي لا تضحك على نفسك، لا عيب لو وضعت ما يخطر في بالك حتى لو لم يكن جميلا، لكن لا يكون تافه، ولا عيب لو سألت عن شيء لم يكن عندك أجابه له. لا تسرق منشور غيرك حتى تخبر الناس انك تعلم، لا تخف اخبر الناس انه هذا رأي فلان، وأحببت رأيه، كثيرا ما كان يسأل الإمام مالك رحمه الله ربما سُئل فتوقَّف، فإذا قال له السائل- وقد جاءه من مسيرة ستَّة أشهر-: أيُّ شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعتُ إليهم؟! قال: «قل لهم مالك لا يعلم».
 
الثقافة لا تأتي بغتة انك لا تحصل عليها من بقال عند باب منزلك أو في مكتبة بلدك، أو تراها ملقاة في الشوارع الثقافة هي العمل والتدوين والتلخيص والتدقيق والتحقيق والبحث والتمحيص هي السهر والسمر مع الكتب والمجلات والصحف والروايات وعيش حالات ومراحل الكتاب كلها كي تتكون عندك الثقافة، "ما من ثمرةٍ نضجتْ إلاّ من بعد عنايةٍ وتعب. وإنّ شجرةً تنبتُ في صحراء روحكَ لا يُمكن أن تؤتي أُكُلَها ما لم تتعهّدها بماء المعرفة. وإنّ هذا الماء ليضنّ بنفسه إلاّ على المُخلَصين. وإنّ كلّ لذّة فانية إلاّ لذّة الأُنسِ بالكتاب؛ فإنّها متجدّدة، تبقى حتّى بعد فناء الجسد" أيمن العتوم.

   

فيكتور هيغو، صاحب الرائعة العالميّة
فيكتور هيغو، صاحب الرائعة العالميّة "البؤساء" احتاج 15 سنة لكي يُنهي روايته الشهيرة..، فما بالك بالذين يُنتجون 3 روايات في السنة!

 
الثقافة ليست فقط في المكتبات والكتب قد تكون في الموسيقى في الشعر في اللوحات والرسومات في الخربشات على الجدران في ورش الصيانة في المحلات التجارية في تربية لأطفال في الدراسة في التدريس في الجامعات في تحمل حماقة المدرسين الأغبياء في الشوارع على الأرصفة عند أعمدة النور في الأفلام في البرامج التلفزيونية الهادفة في المسلسلات المرموقة في الأغاني الراقية في الرقص في الرياضة في الحدائق في الشلالات في البحار في الأنهار في الجبال في السفر في المطر في الليل في النهار في الأسواق في الحافلات في قصاصات الورق في الجرائد التي تلف حول " السندوتش" … وفي وفي قد تجد الثقافة عند بائع على عربة ولا تجدها عند طبيب مرموق. جريمة في حق الثقافة أن تُختزل في القراءة، وجريمة في حق القراءة أن تُختزل في المطالعة. إذا أنهيت مجموعة من الروايات أو القصص أو الكتب الدينية أو العلمية أو الفلسفية، إذن أنت مثقف من الدرجة الأولى لا يا صديقي قديما قالوا " مَن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر مِن صوابُه".

  
الأدباء الذين لمع اسمهم في عالم الكتابة لم يريدوا الشهرة بمعناها المتعارف عليه بل أرادو سد رمق العيش والتعاطي مع الحياة وسيرها والدفاع عن مبادئهم وقضاياهم، غابرييل غارسيا ماركيز باع كل شيء ليسد جوعه وأبقى على الآلة الكاتبة، وزوجته كانت مؤمنة بما يكتب، تحملت الصعاب معه قبل أن يكتب "مئة عام من العزلة"، التي جعلت اسمه يلمع في عالم الكتابة وأصبح من رواد الواقعية السحرية أو العجائبية كما يحب أن يسميها البعض، وجوان رولينغ صاحبة السلسلة الأشهر في العالم (هاري بوتر) رفضت اثنا عشر دار نشر روايتها، فرانز كافكا رُفضت روايته الشهيرة (المسخ) من قبل عدّة دور قبل أن يتم نشرها وتكون الصاعقة بأنها من روائع الأدب العالمي! ديستوفسكي كان يكتب في أقسى ظروف مُمكن أن تتخيلها على الأطلاق! إنسان كتب لكي يُعيل أطفاله كان ديستوفسكي! عباس محمود العقاد قرأ 40 ألف كتاب لكي يستطيع أن يؤلف ما أنتج من كتب! الرافعي أعتزل الناس لكي يجد مناخًا ملائمًا لما يكتبه. غسان كنفاني قدّم روحه لأجل القضيّة، فكان لواءً فكريًا مسلحًا!

 

فيكتور هيغو، صاحب الرائعة العالميّة (البؤساء) احتاج 15 سنة لكي يُنهي روايته الشهيرة….، فما بالك بالذين يُنتجون 3 روايات في السنة! وكأن قلمه قد أصابه السحر وقرينه الذي يكتب عنه! وكثير من الكٌتاب الذي لا حصر لهم.. أرادو فقط إطعام أنفسهم وأسرهم ولم يريدوا الإضاءة في عالم الكتابة ولكن كتاباتهم الرائعة أضاءتهم وسطعوا وحق لهم ذلك فلا تقارن نفسك بهم (في بدايتك على الأقل) يا مثقف (تيك أواي). القدماء قالوا أنّ الثقافة قراءة من باب الاختصار، لأن القراءة تعني تلقائيًا أنك ستفهم ما تقرأ وتحلله وتحوّله لسلوك تنتفع به وتُفيد من حولك أيضًا. وليس مُجرّد مطالعة ببغاوية! القراءة ليست قراءة كلمات مُتراصة وابتسام لها! القراءة هي التي تغيّر، هي التي تُفيد، هي التي تخبطنا على رؤوسنا كما قال كافكا!

 

اقترح عليك صديقي مدعي الثقافة، أن تسهر ليلك بين دفات كتاب وتخبرني كيف وجدت السهر مع الكتاب هل ضجرت منه أم مل منك؟. وكما قال إسماعيل فهد إسماعيل "علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان