أما عن تلك الفتاة فكانت ترغب كثيرا في أن يكون حجابها جزءا من عالم الأزياء والجمال ولكنها تعلم جيدا أنها بذلك ستتجاوز أحد الخطوط الحمراء وأنها لن تسلم من انتقادات لاذعة.. وربما ينتهي هذا الصراع داخلها إلى التخلي عن حجابها.. هم يجاهدون أنفسهم كما يقول الشيوخ ولكن ألا تحتاج معركة جهاد النفس إلى أسلحة؟
يجتاحنا الفن الهابط رغما عنا.. في إذاعات الراديو والتلفاز وحتى في الطريق العام ولم يجد علماء المسلمين حلا سوى تشديد التحريم والتذكير بعقوبة الله لمن يحضر مجالس اللهو كما يسمونها. ربما هم بذلك يحمِّلون الشباب ما لا طاقة له به دون علم.. فكيف يمكن لنفس ينهشها الباطل من كل حدب وصوب أن تحتفظ بتركيبتها الطيبة دون بديل طيب يملأ فراغها؟ لماذا كتب علينا نحن شباب المسلمين أن نكون متأثرين لا مؤثرين وأن نتخذ فقط سبل الدفاع في حين أننا نملك كل مؤهلات التأثير الإيجابي؟

نحن لنا أن نصنع من خشبة المسرح منبرا للدعوة يضاهي منابر الشيوخ في أشهر القنوات بل ويتجاوزه. ما المسرح إلا خشبة صماء لا تنطق إلا بكلمات الممثل الذي يعتليها وما المصدح إلا مكبر لصوت من أمسك به، فلماذا تم الحكم على هذه الأدوات بالمجون والانحراف؟ لعلنا كنا سببا في زيغها عندما احتفظنا بالحق لأنفسنا، نهمس به في الحلقات الضيقة وفي القاعات المغلقة في شكل دروس تقليدية مللناها، حتى إذا علم بها أمن الدولة تمت المداهمة ومن ثم ننتقل لنهمس في السجون.. كان لنا أن نمرر ما نريد تحت لواء الثقافة والفن ولكن كثيرا ما اقترن اسم الفن لدينا باسم الحرام.
لو أننا تكلمنا لغة القوم واعتلينا المسارح وأمسكنا آلات الموسيقى نشدو بأنغام تصور جمال الحياة في هويتنا لكنا كفينا أنفسنا والجماهير شرور الفتن ولطرحنا للمتقبل بديلا ليختار.. كنا بذلك قد روينا وارتوينا من معين زينة الحياة الطيبة. كنا بذلك سنجد طريقة نقدم بها ثقافتنا الحقة للعالم الذي لا يهوى مساجدنا ولا كتابنا المقدس ولا يكلف نفسه عناء الاكتشاف. كنا خاطبناهم بنفس أدواتهم ولعل ما قدمناه سيقع في قلوبهم كما يُفعل بقلوبنا أمام ما يقدمونه.
ربما آن الأوان لنغادر أركاننا المظلمة ونكون تحت الأضواء. أي مكان من شأنه أن يعلي كلمتنا وجب علينا أن نتواجد فيه وحشود البشر التي قتلت عقولها السهرات التافهة تنتظر منا سهرات بنفس القوة وبمحتوى أرقى لتحيي ما قتل فيها. لم يصنف الشعر حراما في صدر الإسلام رغم أنه كان سابقا يصف الخمر والسهرات الماجنة بل اتخذ نبينا من حسان شاعرا ليجري على لسانه كلمات من نور تستسيغها العرب. وحتى القرآن نزل موزونا مسجوعا بنفس السائد في تلك الفترة ولكن بمحتوى مرشد قوي. لم يلغ الإسلام شيئا من طرق التواصل في الجاهلية وإنما هذب المحتوى ووجهه إلى ما ينفع البشر ويهديهم. أما نحن في هذا العصر، وجب علينا تهذيب محتوى الأغاني وسيناريوهات الأفلام والمسرحيات لنتخذ منها واجهة دعائية لثقافتنا لدى العالم ونواجه تشويه صورتنا بأدوات ووسائل تؤتي أكلها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.