صدرت الطبعة العربية من رواية "أرواح كليمنجارو" عن دار بلومزبري، وهي التاسعة لنصر الله ضمن مشروعه الروائي "الملهاة الفلسطينية"، وجاءت في 384 صفحة، في حين صدرت طبعتها الإنجليزية في شهر (أيار/مايو) من العام 2016.
إبراهيم نصر الله شاعر وروائي فلسطيني بارز، له رواياته البارزة على الساحة الفلسطينية والعربية، منها "قناديل ملك الجليل" 2012 و"زمن الخيول البيضاء" عام،2007 وتعد رواية زمن الخيول البيضاء كجزء من سلسلة "الملهاة الفلسطينية" المكونة من سبع روايات منفصلة أدبيًّا عن بعضها البعض، وكما وصلت رواية زمن الخيول البيضاء اللائحة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية ) عام 2009. كما وله العديد من الدواوين الشعرية.
"في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها وإلا بقيَ في القاع مهما صعد من قمم"
بهذه العبارة الباعثة للأمل افتتح نصر الله روايته "أرواح كليمنجارو" في الحقيقة أصابتني نوع من الحيرة، وأنا أكتب هذه المقالة، التي لم أجد لها اسمً يليق بأبطالها. فشخوص الرواية كانت أقوى من كل الكلمات، وأقوى من أن توضع بين دفتيّ كتاب. ولكن لكل بيت عنوان كما يقال، فقلت في نفسي "طيور على كليمنجارو" لأن الطيور تصل إلى القمم وما هي إلا لحظات حتى قلت لا يمكن للطيور أن تصل إلى قمة جبل ثلجي، فقلت في نفسي مرة أخرى "شُجْعان على كليمنجارو" ولكن أبطال حكايتنا تحدوا الشجاعة نفسها، وهزموها فقلت أخيرا هم "قمم على كلمنجارو".
"أولا أحبّ أن اعبر عن سعاتي بكم. أظنكم أفضل فريق متجانس صعدتُ معه، كما أحب أن أعبّر عن فرحي بتنوعكم، سواء من حيت البلدان التي أتيتم منها أو من حيث دياناتكم. إنني مسيحي كما تعرفون، لكن لدي أخا مسلمًا، فهنا لا يكون الإنسان مُلزمًا بدين والديه، بل يختار دينه حين يكبر، وأخي اختار أن يكون مسلمًا، ولذا أحس أن بيتي في أروشا قد اتّسع ألان بكم. وهذا أمر حقيقي ألمسه، وهو أكثر وضوحا حتى من القمم"
وأنت تقرأ تشعر أنك تشاهد هذا الصعود بنفسك يخطف أنفاسك، يجعلك دائم الترقب والقلق كلما صعدوا قمة أو هبطوا سهلا .إذا أردت أن تتحدث عن كليمنجارو عليك أنت أيضاً أن تحزم أمتعتك، وتحمل حقائبك، وأن تأخذ نفس عميقا، وأن تقول كما كانوا يقولون أبطال الرواية باللغة الساحلية، "ويرا ويرا" بمعنى "يلا يلا ".
الخارجية: يعاني المسافر العادي أثناء السفر من متاعب كثيرة ولذلك رخص له الإسلام الجمع والقصر في الصلوات، ورخص أخرى كثيرة، فما بالك لو كان المسافر فلسطينيين محتل، فالاحتلال يقوم بهذه المهمة فالمضايقات بعشرة أمثالها، من تفتيش، وتنكيل، وإهانةً، فالاحتلال كان عقبةَ كبرى أمام أبطال الرواية وهو إحدى أسباب إصرارهم على الصعود، والعودة وهم قد صعدوا على أعلى القمم في العالم.
"أتعرف ما الذي يثير دهشتي هنا أكثر من أي شيء آخر؟.. ارتفاع الجبال؟.. ذلك يدهشني، لأن غزة محرومة من الجبال. ما يثير دهشتي أنني لم أجد نفسي حتى الآن أمام حاجز عسكري يمنعني من المرور. يدهشني أن هنالك في الأرض عالما بلا حواجز عسكرية، لا تعرف إن كان فيها من سيسمحون لك بالمرور أم سيطلقون عليك النار"
الداخلية: هنالك معيقات داخل كل إنسان مثل كومة صخور متراكمة، إذا حاولت النهوض ستنهار صخرة تلو الأخرى ويبقى كنزك الذي نبشت عنه هو عزيمتك أنت.
يخذنا نصر الله في رحلة جبلية طويلة شيقة تمتد لتسعة أيام إلى قمة أوهورو، تسعة أيام انقضت ولكن ذكراها لم تنتهي أبدا.
"كليمنجارو! صرخت أم نورة وأضافت بعدين في أي بلد هذا الكليمنجارو؟
في تنزانيا .
وتنزانيا هذه أين تقع؟
في إفريقيا .
في إفريقيا، كيف يمكن لأحد أن يذهب برجليه إلى الأسود لتأكله؟
لا تخافي علي، فأنا ذاهبة برجل واحدة"!
يجسد نصر الله شخوص روايته بحرفية كاملة، وبسرد احترافيّ، فعندما يتحدث عن سقوط الصخور من الجبال، تشعر أنك تشاهد هذا السقوط، وليس ذلك فقط بل وتحاول الاختباء منها. كان نصر الله رفيق أولئك الأبطال في رحلتهم كانوا فريقا من أجناس وديانات مختلفة، فالمسلم أَخُ المسيحي، والمسيحي، أَخُ البوذي.
"أريد أن يعرف العالم بأن مسيحياً لبنانياً حمل فتياناً مسلمين فلسطينيين على كتفه وأوصلهم إلى القمة"
إنه الجبل الذي ألهم القارة الأفريقية، في رحلتها إلى الحرية، حيث كانت تنزانيا التي يقع فيها كليمنجارو أول بلد إفريقي يتحرر من الاستعمار وينال استقلاله. ذات يوم قال أحد قادة حركة التحرير التنزانية "سنوقد شمعة على قمة الجبل لتضيء خارج حدودنا، لتعطي الشعوب الأمل في التحرر".
مهما حاولت أن أصف لك مشاهد الصعود لن أفي الكتاب حقه، فعليك أنت أن تصعد معه بنفسك. لتذوق حلاوة الصعود ومرارة التعب وكما قال إبراهيم نصر الله في إحدى لقاءاته "لقد صعدت الجبل مرتين مرة ماشيا على أقدامي ومرة على الورق".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.