رغم مرور أكثر من شهر على عملية غصن الزيتون، إلا أن المعالم ما زالت غير واضحة للمراقبين، فبحسب ما قالت تركيا، إن العملية ستطال مدينة عفرين كاملة وإن الهدف التالي هو مدينة منبج |
في منتصف يناير/كانون الثاني بدأت القوات التركية بقصف مواقع القوات الكردية على الشريط الحدودي، تمهيدا لدخول بري كانت قد بدأت به قوات الجيش السوري الحر بداية العملية، وتبعها الجيش التركي فبدأ بإرسال قواته البرية بعد 20 يناير/كانون الثاني، وشكل تقدما ملحوظا على كامل الحدود السورية التركية تقريبا من طرف عفرين، وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا عن المساحة التي أحكمت قوات عملية غصن الزيتون السيطرة عليها، والتي هي بحدود 300كم2.
اعتبرت تركيا أن دخول قواتها في سوريا قانوني، واستندت بذلك إلى اتفاقية أضنا عام 1998م والتي عقدتها سوريا في ظل حكم حافظ الأسد مع تركيا، وتُعد هذه الاتفاقية تغيرا استراتيجيا في العلاقات السورية التركية التي توترت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وأدت تداعياتها لعقد اتفاق بين فرنسا كدولة انتداب على سوريا وتركيا بترسيم الحدود السورية التركية، نتج عنه منح تركيا جزءا من الأراضي السورية، ومن تلك الحقبة وحتى تسعينيات القرن الماضي، إلى أن حسّنت اتفاقية أضنا من هذه العلاقات، وقد كان البند الثالث من الاتفاقية ينص على التالي: إعطاء تركيا حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر، ويُقصد هنا بالإرهابيين، قوات حزب العمال الكردستاني التي أخرجت سوريا زعيمه عبد الله أوجلان من أراضيها حسب الاتفاقية أيضا.
رغم مرور أكثر من شهر على عملية غصن الزيتون، إلا أن المعالم ما زالت غير واضحة للمراقبين، فبحسب ما قالت تركيا، إن العملية ستطال مدينة عفرين كاملة وإن الهدف التالي هو مدينة منبج ذات الغالبية العظمى العربية، والقابعة تحت سيطرة القوات الكردية، وتستمر العملية حتى حدود العراق، أي إنهاء الوجود الكردي في شمال سوريا تماما، ولكن هذا يبدو غير واقعي نوعا ما، وهو أمر مجهد ومكلف ولن تستطيع تركيا في الوقت الحالي الخوض بهذا الشكل في سوريا، وهذا ليس لأنها قوة ضعيفة، على العكس الجيش التركي من أقوى جيوش العالم..
لكنها لن تميل إلى تحقيق رغبتها هذه في هذا الوقت بالتحديد، والذي تقترب فيه تركيا من الانتخابات الرئاسية، وقد رأت ما تملكه القوات الكردية من أسلحة من الممكن أن تعرض حياة الكثير من المدنيين الأتراك للخطر، فضلا عن وجود 2 مليون كردي جنوب تركيا، مما يرفع أيضا من نسبة خلق اقتتال داخل الأراضي التركية أو نشوب حالات عنف هي في غنى عنها في الوقت الحالي، ويرجح بعض المراقبين أن تتحول العملية إلى تشكيل منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية، تمتد بين 15 و30كم مربع، تضمن خلالها تركيا أمنها القومي الذي بدأت تخشى عليه بعد تواجد القوات الكردية على أكثر من 65 بالمئة من الحدود السورية التركية.

لقد كانت حركة إسقاط الطائرة الإسرائيلية بنيران إيرانية من الأراضي السورية مؤشرا كبيرا على دخول الوجود الإيراني في سوريا مرحلة حرجة، "وبدأت إيران ترى أن الحرب القادمة هي عليها إن لم يخب الظن" فهي الإرهاب الجديد من وجهة نظر أميركية إسرائيلية، وإسقاط الطائرة ليس عملا بطوليا ضد قوة احتلال كما قاموا بالترويج له، وإنما عمل من الممكن أن نسميه "غير مدروس"، هدفه خلق زعزعة في المنطقة محاولين خلاله إظهار أنفسهم والنظام في صورة أبطال المقاومة.

تعتبر إيران وجودها في سوريا وجودا استراتيجيا يتجاوز الوجود العسكري، لا يمكن التخلي عنه وحاجتها لدمشق كحاجة الأسد لطهران، وفي الواقع، قد أحكمت إيران السيطرة البرية على سوريا عن طريق ميليشياتها التي دعمت بها حزب الله اللبناني والتي استقدمتها من أفغانستان والعراق، والمشروع الإيراني في سوريا خبيث تحاول إيران المضي به قدما قبل فوات الأوان.
إسرائيل من جهتها قلقة من الوجود الإيراني في الجنوب السوري وستفعل كل ما بوسعها لإبعاد الميليشيات الإيرانية، وقد كانت تنسّق في الآونة الأخيرة مع الروس لكن من الواضح أنهم لم يتوصلوا لنتيجة مُرضية، لذا فستلجأ إسرائيل لحليفها الأكبر. إدارة ترمب وعلى عكس إدارة أوباما تتطلع للحد من نفوذ إيران في المنطقة أو قطعه، والأيام القادمة ستظهر لنا حقيقةً هذا الأمر، ربما عبر توافقات دولية جديدة ستلعب فيها الولايات المتحدة الأميركية الدور الأكبر.
في الحقيقة، ما ينتظر السوريين قد لا يكون واضحا بشكل كبير، ومن السهل جدا أن تتغير كل هذا التأويلات، فالأمر يتعلق بمصالح دولية متشابكة ومصارع إقليمية متدهورة، ولكن الذي يُنتظر من السوريين واضح أشد الوضوح، إن النهوض بسوريا وجعلها الدولة التي يحلمون بها لن يكون إلا بجهد أبنائها الوطنيين وكوادرها الأكاديمية التي تملك الرؤية الحقيقية للجمهورية السورية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.