كعادته في كل صباح، استيقظ باكرا، خرج إلى صندوق البريد، الذي يلتصق بجانب باب منزله، يتفقد هذا الصندوق كل يوم، يكون الساعي قد وضع الجريدة كالمعتاد، نظر إليه فوجد الجريدة اليومية، تناولها وهم بالدخول. نشيط هذا الساعي لا يتغيب يوما واحدا، لا في العطل الرسمية، ولا في الأعياد والمناسبات قال ذلك وهو يغلق باب المنزل. أشعل سيجارة وضعها بين شفتيه جانبا كنه يريد أن يتكلم وهي في فمه، تجاهل كل العناوين الرئيسية: الرئيس يستقبل وفدا فرنسيا، مضار التدخين على المرأة الحامل، التطور التكنولوجي إلى أين، رحيل الفنان الفلاني بعد صراع مرير مع المرض، ارتفاع على أسعار العملات، الاقتصاد العالمي في انهيار، فوائد الرياضة الصباحية، تغير على أسعار المحروقات، ريال مدريد يلاقي خصمه البرشا في مباراة الذهاب "الكلاسيكو" الأسبوع القادم.
يمر عن كل هذه العناوين ولا يلقى لها بال، غير مهتم بها، مسرع يقفز بين الصفحات كأنه يبحث عن شيء مفقود قال: بنبرة خفيفة نعم، هذه الصفحة، صفحتي المفضلة حظك اليوم الأبراج نزل مسرع إلى برجه، فهو يؤمن بما تقوله، هي سببا في سعادته وتعاسته هو مولع بهذه العادة منذ أن أخبره أحد الأصدقاء أنها دائما ما تحدث وتتطابق مع الواقع. بدأ بقراءة برجه وما يخب له قبل أن يقرأ بقية الأبراج رفع صوته وهو يقرأ السرطان "إنه يوم سعدك يوم ترقيتك في عملك، قل وداعا للفقر، ستفتح لك طاقة من الخيرات والمال الوفير، لا تقلق من الحاسدين، كن حذر في عملك لا تضع أسرارك في أيد غير أمينه، بتفاؤلك ونشاطك ستتمكن من التعامل مع جميع العقبات ويساعدك التفكير الواضح على اجتياز هذه العقبات".
تنفس الصعداء وقفز من مكانه فرحا، بدل ملابسه كي يذهب إلى عمله، وصل قبل بدء العمل بربع ساعة تقريبا طلب فنجان من القهوة، عدل من هندامه، وأزاح بيده على شعره كي يتأكد من رتابته، وبدأ يومه بتفاؤل ونشاط كما أخبره برجه. الوقت يمضي ولم يحدث شيئا مما أخبره به برجه، كان قلقا، رن هاتف مكتبه قال بصوت خافت مرحبا، موظف الحسابات معك تفضل. انتفض من مكانه وردد نعم، نعم، حاضر أنا آت في الحال، أغلق الهاتف.. إنه المدير هذه هي لحظة الترقية، صدقت أيها البرج العظيم حدث نفسه وهو يعدل بدلته المائلة إلى اللون البني الغامق، وخرج مسرعا إلى مكتب المدير..
جاءت سيارة مسرعة واصطدمت به فسقط على الأرض، ترجل السائق من سيارته ليرى ما حل به رآه غارق بدمه وكان يتمتم بكلمات: لن أقرأ الأبراج بعد اليوم، لن أقرأ الأبراج بعد اليوم |
طرق الباب طرقات خفيفة، جاءه صوت المدير يأذن له بالدخول، دخل والابتسامة تعلو وجه، مرحبا.. قالها بارتباك رد المدير التحية وأمره بالجلوس ثم استدار المدير وكان ينظر إلى النافذة التي تطل على باب الشركة، وقال له: وهو ينفث أخر سيجارته، منذ متى وأنت تعمل لدينا؟ منذ مدة طويلة أجابه، كانت السعادة تغمره وهو يجيب هذا ما تمنيته طوال حياتي، سأله المدير مرة أخرى: هل رأيت منا ما يزعجك في هذا العمل هل أهانك أحد أو قلل من شأنك، قال لا. إذن لماذا تهمل في عملك، ابتسم ابتسامة خفيفة ضن أن المدير يمازحه، ليفاجئه بالترقية، صدم عندما أخبره عن أحد الزبائن الذي جاءه منذ أسبوع، لقد كان فظ في تعامله معه واشتكاه إلى مديره. حذره المدير أن يعود لمثل هذا. احمر وجه ولم يستطع أن يتكلم حتى كان يحسب نفسه الخارج من مقدمة أنفه ضجة كبيرة، اختنق من هول ما سمع لقد كانت الترقية ليست بالبعيدة ما الذي حصل قال وهو يطلب من مدير الانصراف إلى مكتبه فأومأ برأسه مشيرا بالقبول.
عاد إلى المكتب، جلس على الكرسي رمى بثقله عليه كأنه انهار من جبل لماذا لم يخطر في مخيلتي أنني مقصر في عملي وهل تأتي الترقية لمقصر، لطالما كانت الأبراج أصدق أنباء من الكد والعمل، لماذا هذه المرة لم تصدق؟ ازداد غضبة لعن الأبراج كلها ولعن كل من يؤمن بها وصب كل اللعنات على صديقه الذي أخبره عنها، لملم بعض الأوراق ووضعها على المكتب مرتبة، حمل هاتفه، هم بالمغادرة كان يبدو على وجه الكآبة. لست أدرى لماذا أخطأني السرطان هذه المرة لم يخطأ من قبل؟ خرج من عمله يحدث نفسه لا يعلم ماذا حصل كان رأسه يعج بالأفكار هل كل هذا كذب، لكن أنا أقرأ الأبراج منذ مدة، ما الذي حصل يمشي وهو لا يعرف أن كانت هذه وجهة منزله.
قطع مسافة لا بأس بها، أصبح بعيد عن منزله والشمس شارفت على الغروب، قرر العودة بعد ما نال التعب منه، أشار بيده لسيارة أجرة، لم يقف له احد، قال في نفسه كأن الجميع تأمروا علي هذا اليوم. وبرغم ما به من تعب قرر العودة ماشيا، وفي طريق عودته كانت أبواق السيارات قد هدأت وخف زعيقها، والشوارع شبه خاليه، إلا من بعض المارين على الأرصفة، وبعض الباعة وعرباتهم التي تحمل عنهم بضائعهم. أوشك على الوصل إلى بيته ليرتاح فقد أنهكه التعب وبلغ منه مبلغه، كان يهم بقطع الشارع الذي يقع مقابل منزله وفجأة! جاءت سيارة مسرعة واصطدمت به فسقط على الأرض، ترجل السائق من سيارته ليرى ما حل به رآه غارق بدمه وكان يتمتم بكلمات أصغى السائق سمعه ليسمع ما يقول كان يقول: لن أقرأ الأبراج بعد اليوم، لن أقرأ الأبراج بعد اليوم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.