قد تجد حولك عشرات الأصدقاء الطيبين الذين يمكن حتى أن تستأمنهم على حياتك لكن في مكان ما في لحظة ما وداخل قرارة نفسك يفاجئك قلبك بصوت يقول (أنا لا أنتمي إلى هنا أبعدني من فضلك)، تتوقف دوامة الحياة لثواني.. تحاول أن تستوعب ما نطق به هذا الصوت..! ما الذي يحدث.. تبدأ تستيقظ مما أرغمت نفسك على العيش فيه، تطرح بعض الأسئلة التي قد تحاول إخفاء إجاباتها عن نفسك، من أنا؟ وكيف وصلت إلى هنا؟ ما هذا المكان؟ وإلى أين أسير؟
هذا الشعور ليس أصعب شعور يمر بالإنسان ولكنه حتما يندرج تحت تصنيف الصعب، بعد كل التفكير بالإجابات تكتشف بأنك فعلا وحيد، فالكثير من المرات كنت تملك خبرا سعيدا جدا يتعلق بك ولم تجد أحدا حولك تخبره بذلك، وكنت في لحظة من اللحظات تشعر برغبة عارمة بالبكاء أمام أحد ويواسيك دون حتى أن يسأل عن السبب، مرة أخرى كنت تحتاج أحدا ليرشدك في أمر ما لكنك لم تجد تتذكر كمية الألم في تلك اللحظة لم تجد من يمكنه أن يرشدك بكلمة من عشرات الأصدقاء الذين يحيطون بك!
سيصبح عمري الآن عشرون عاما. عشرون عاما لم أستطع أن أجعل اسمي مرتبطا باسم صديقة (شقيقة روح)، كلنا نسمع بتلك الثنائيات من الفتيات.. فأينما وجدت (أ) تكون (ب) وأينما وجدت (ب) تكون (أ).. لم أستطع تحقيق ذلك.. لا أدري أهو فشل اجتماعي أم من الطبيعي ذلك لكنني في المحصلة لم أنجح بهذا الأمر.
الوحدة هنا تختلف تماما عن العزلة، العزلة هي شيء لابد أن يوفره الإنسان لنفسه ليستطيع التصالح معها العزلة شيء جيد جدا عندما يكون معتدلا بل هو الرافد للحياة وليستطيع الإنسان إكمال مسيرته بطريقة سليمة، الوحدة تشبه جرحا مؤلما جدا ولكنك تحاول مواراته لكي لا يظهر للعيان، تشعر أحيانا بالوهن وأحيانا كثيرة تفضل الصمت وتستأثر المشاهدة والمتابعة، في لحظات كثيرة تنطق بجمل بين الأصدقاء لا أحد يسمعها لا ينتبهون حتى أنك نطقتها، وفي لحظات أخرى تصبح هامشيا أو ربما غير مرئيا لا أدري ولكن حتما هناك تفسير لتهميشك!
ويزيد الطين بلة إذا كنت قد وقعت في منطقة الالتزام الديني وعدم الالتزام في آنٍ واحد، في الوسط لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء عندها يمكنني القول بأن حياتك ستكون أقرب إلى الضياع منها إلى الاستقرار، ففي بعض الأوساط أنت تعتبر ملتزما جدا وفي أوساط أخرى أنت لا تمثل سوى (الفياعة) عندها لا تدري إلى أين أنت تنتمي حقا أو أين يندرج ما تفعله.. تحت أي قائمة بين الصح والخطأ، ولكنك تستمر في حياتك تحاول التوفيق بين الجانبين بين أن تكون محافظا على دينك قابضا على الجمر وبين أن تكون مقبولا في أوساط بعيدة نوعا ما عن الالتزام فكما يقول فرويد الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحتاج الحب والقبول داخل نسق الحياة التي يعيش فيه أيا كان، ولكن حتما وفي هذه الأوقات بالذات أنت لا يجب أن تكون وحيدا في هذه الأوقات بالذات الوحدة ستكون مؤذية جدا.
قد يتاح لك كل شيء في هذه الحياة وتكون أقرب إلى الكمال ولكنك تجد نفسك وحيدا ولا أدري كيف يعالَج هذا الشعور، أن تصبح اجتماعيا أكثر؟! أن ترتبط بشريك العمر؟! أن تتصنع غير شخصيتك؟! حقا لا أدري لكنني أؤمن أن الحل ليس بتلك الصعوبة التي أظنها.
أن تقترب من عائلتك أكثر قد يكون بداية الحل، العائلة كيان دافئ جدا يغنيك أو يمكنني القول يشغلك عن ذلك الشعور على أقل تقدير، الأخوة هم ملح الحياة التي لا تطيب إلا به.. مهما كنت وحيدا حتما هناك أخ ينظر إليك بحب يغنيك عن كل من هم خارج حدود البيت.. هناك أخت تنتظر منك كلمة لتضحكوا سويا على تلك الشقاوات التي تشاركتموها، التفكير بالعائلة يمكن أن يعطيك صورة مبدئية بأنك لست وحيدا بالمطلق هناك أشخاص فخورون بك ويحترمون قراراتك الخاصة وتفكيرك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.