وللعلم فأنا لم ألتقِ بالرجل في حياتي ولا شيء يدفعني للدفاع عنه إلا ديني، حديث الإفك والذي رُميت به أمُّنا العفيفة الطاهرة عائشة لم يُثبت في القرآن عبثا وإنما لحكمة ودلالة عظيمتين، ولتربية المجتمع المسلم إلى يوم القيامة أمام كل حديث إفك بحق رجل أو امرأة. والقرآن الكريم إذ يتحدث عن هذه الحادثة فإنه يقسم الناس أمام هذه الحادثة إلى أربعة أقسام:
القسم الثاني: عندما رُميت السيدة عائشة بالإفك حموا أسماعهم وألسنتهم فسكتوا ولم ينطقوا إلا بخير، لم يصدقوا ولم يكذبوا.
القسم الرابع: وهم الذين جاؤوا بالإفك وعلى رأسهم زعيم المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سَلول، هؤلاء أشار الله إلى موتهم على الكفر وأنه لن يقبل منهم وأنه أنزل عليهم لعنته في الدنيا والآخرة: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وممّا يلفت النظر في هذه الآيات قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ولم يقل: إن الذين يشيعون الفاحشة ، فهؤلاء مفروغ من أمرهم وعقوبتهم عند الله كبيرة، لكن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هؤلاء أيضا لهم عذاب أليم عند الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، لأن المسلم موقفه أن يستر لا أن يفضح، لأن المؤمن موقفه أن يغطي عورة أخيه لا أن يكشفها، فالذي يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أو يقف منها موقف المتفرج وقد امتلأ قلبه فرحا بإشاعة تلك الفاحشة في المؤمنين يستحق عذاب الله في الدنيا والآخرة، فكيف إن كانت تلك الفرية صادرة عن أعداء الدين! ثم تجد من بني جلدتنا من يفرح بقلبه لفضيحة أخيه، لأنه يخالف منهجه أو لأنه سليل أسرة تخالف منهجه!
أخي الحبيب: كن من القسم الأول فدافع عن أخيك أو من الثاني فأمسك لسانك مع ألم في قلبك لسمعة أخيك والمسلمين، وإياك أن تكون من القسم الثالث ينقل الأخبار ويتحدث بها أو من الرابع يتولى كبره أو يغتبط لما حدث من إساءة لأخيه!
وأخيرا فقد اقتضت حكمة الله أن يبزغ الخير من ثنايا الشر، لذلك كان ابتلاء أسرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بحديث الإفك خيرا كبيرا لهم، حيث كتب الله لهم به الأجر العظيم وهذه عبرة لكل مؤمن ممتحن أو مبتلى، قال تعالى: "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" والحمد لله رب العالمين
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.