ظهر أسلوب الاقتراع بالورقة البيضاء أو الملغاة كشكل اعتراضي في القرن التاسع عشر، فبينما قامت الدول الأوروبية بوضع معايير صارمة لتحديد الأوراق المحتسبة كأصوات "صحيحة"، كان كثيرون يقومون بالتعبير جماعيا عن اعتراضهم على المرشحين عبر كتابة عبارات احتجاجية قاسية على الأوراق الانتخابية. ففي دراسة عن انتخابات عام 1881 في فرنسا، وجد باحثان فرنسيان أن نسب الأوراق الملغاة بلغت 20 في المئة في بعض المناطق الفرنسية، وقد احتوت هذه الأوراق على انتقادات لاذعة لجميع السياسيين، كأسلوب اعتراضي على أدائهم وقلّة وفائهم بالوعود التي كانوا يطلقونها أثناء الحملات الانتخابية. ومع الوقت، أخذت هذه الحركة الاعتراضية تشكل مظهرا قانونيا من مظاهر الانتخابات؛ فبدلا من اعتبارها أصواتا ملغاة، بدأت الدول تعتبر الأصوات البيضاء بمثابة امتناع عن إعطاء الثقة لأي من المرشحين. لذلك، أصبح احتساب هذه الأصوات حقا من حقوق المواطن لإحصاء صوته عند رغبته بالمشاركة في العملية الانتخابية من دون إعطاء صوته لأحد المرشحين. وأصبحت لبنان من الدول التي تقوم بإحصاء الأصوات البيضاء في دورات الانتخاب النيابية والبلدية على حد سواء.
أسلوب الورقة البيضاء منتشر جدا في الدول الديمقراطية، التي تحترم أنظمتها حرية الرأي والشفافية والنزاهة الانتخابية |
إن المقاطعة السلبيّة أو عدم النزول للانتخاب بتاتا هو بحدّ ذاته تعبير صارخ عن التشكيك بمشروعيّة الانتخابات نفسها ونزاهتها، وهذه الأخيرة هي الأكثر رواجا في الدول النامية، التي يشكّل فرز الأصوات فيها عملا واضح النتاج، ففي بلد ليس ببعيد، وبالرغم من الاقتتال والحرب الطاحنة فيه، جرت انتخابات "ديمقراطيّة" "فاز" فيها الرئيس بفترة رئاسية ثالثة بأغلبية كبيرة وصلت إلى 88.7 في المئة من الأصوات، حيث حصل على 10 ملايين و319 ألفا و723 صوتا بالرغم من أن عدد المقترعين هو أقل من ذلك. وفي دولة عربيّة أخرى، وقبل أن تهب رياح ما سمّي بـ"الربيع العربي"، حاز الرئيس على نسبة تصويت تجاوزت الـ90 في المئة من الأصوات، وبعد فترة محدودة انتفض عشرات الملايين من المواطنين لإسقاط النظام، فهل يعقل ذلك؟! وفي هذا السياق، باتت الدول النامية أو "الخاضعة تحت سلطات ديكتاتوريّة" تذهب لعدم التصويت بتاتا.
أما في لبنان، ونقلا عن موقع "جنوبيّة"، فقد فسّر محمد شمس الدين الخبير في الانتخابات اللبنانيّة أنّ "تسجيل أيّ موقف اعتراضي في الانتخابات النيابية يتم عبر الاقتراع بالورقة البيضاء، وليس بالمقاطعة والبقاء في المنزل". واعتبر أنّ "المقاطعة هي بمثابة التخلّي عن الدور الذي عليه أن يؤديه المواطن بالمشاركة في الانتخابات"، وأضاف "الورقة البيضاء تساهم في زيادة الحاصل الانتخابي، إذ حينما يتم الاقتراع بهذه الورقة ترتفع نسبة المشاركة في الانتخابات، أي عدد المتقرعين، وبالتالي يرتفع الحاصل".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.