الصدمة التي شعرت بها وأنا في انتظار عيد مولدي الـ29 كانت كبيرة جدا، ما هذا الرقم؟ ومتى وصلت إلى هنا؟ وما الذي حققته في حياتي لأستحق هذا الرقم؟ مررت بحالة نفسية سيئة جدا، وظننت أنني أوشكت على النهاية، وأن بمجرد بلوغي للعام الثلاثين، لن تكون هناك فرصة لتحقيق ما تبقى من أحلامي التي لم أصل لها حتى الآن، ولكن ما اكتشفته أن هناك حياة أخرى بعد الثلاثين لها متعة خاصة وإحساس مختلف. في البداية، بعض أقاربك ما إن تتم عامك الثلاثين تتغير معاملتهم لك؛ وكأن نظرتهم لك كشاب غرير متهور تتبدل بمجرد أن يدركوا أنك خرجت من العشرينيات، وعلى الرغم من أن ملامحك واحدة لم تتغير كثيرا، إلا أن رقم الثلاثين له وطأة على أنفسهم تجعلهم يحترمونك أكثر.
عندما أدركت تلك النقطة قررت أن أستغل هذا الأمر استغلالًا جديا، واعتبرت تلك النظرة المختلفة من أسرتي وأقاربي لقراراتي الشخصية إحدى هدايا الثلاثين، ونجح الأمر للغاية مع والدتي على الخصوص، خاصة بعد أن بلغت من العمر 32 عامًا واستخدمت معها خدعة صغيرة.
كلما رفضت فكرة أريد تنفيذها في حياتي أستخدم كلمة السر قائلة: «يا ماما ده أنا ماشية في الأربعين»؛ ويقع الرقم كالصاعقة على أمي، وأرى في عينيها نظرة شفقة وكأنها تراني أعيش أيامي الأخيرة على كوكب الأرض، ويجب أن أستغلها أفضل استغلال؛ وتتحول الفكرة المتهورة التي اقترحتها عليها إلى فرصة جيدة لاستكشاف الحياة قبل الموت.
الشخص الذي يعرف قدر نفسه بما فيها من مميزات وعيوب، يستطيع أن يتخذ قرارات سليمة معظم الوقت، وعندما يرفض شيئا يرفضه لإدراكه أنه سيكون ضعيفا في تنفيذه |
الزواج بعد الثلاثين من أهم هدايا تلك المرحلة العمرية، كل صديقة لي عانت العديد من المشاكل حينما كانت تتزوج في العشرينيات، وهذا لأن الفتاة في هذا الوقت نادرًا ما تكون مستقلة ماديا عن أهلها، إلى جانب أن شخصية الإنسان لا تتشكل بالقدر الكافي في العشرينيات؛ ولذلك تجد أسرة الفتاة الفرصة سانحة للتحكم في اختياراتها وفي كل تفصيلة من المفترض أن تخصها هي وشريك حياتها فقط، ومع الوقت يشعر الشاب أنه يتزوج أسرة الفتاة وأنها ليس لديها شخصية مستقلة أمامهم. ولكن الزواج في الثلاثينيات له شكل آخر مع الفتاة التي تعدت سن الثلاثين، أو هذا ما حدث معي على الأقل.
عندما قررت الارتباط كان عمري ثلاثين عامًا، وقتها كنت بالفعل مستقلة ماديا عن أهلي لما يقرب من 5 سنوات، بالإضافة إلى أنني عشت لفترة طويلة بمفردي في محافظة أخرى بعيدة عن أسرتي، وبعد وصولي لهذا السن أثبت لأهلي أنهم يستطيعون الثقة في قراراتي الشخصية، والتي بسببها سنحت لي فرصة الاستقلال المادي عنهم.
وحين اخترت شريك حياتي، لم يكن من جانب أهلي سوى المباركة، بالطبع هناك عامل آخر يخص السن في أذهانهم، حينما ظنوا أنني سأمتنع عن الزواج تمامًا، ولذلك تجربتي في الزواج وأنا في عمر الثلاثين تعتبر هدية بالفعل، بدون أي ضغوط من الأسرتين، هدية أخرى تمنحها لك الثلاثين حين تقرر الزواج؛ وهي أنك ستختار شريك حياة مناسب لك بعقلك وقلبك ولن تكون اختياراتك متهورة كما اعتدت في سن العشرين.
اقتناص الفرص وعدم تأجيل حلم إلى الغد؛ من هدايا الثلاثين أيضا. بمجرد أن أدركت أنني وصلت لهذا السن، تذكرت كل أحلامي المؤجلة؛ روايتي التي لم أنشرها، البلاد التي حلمت أن أزورها داخل مصر أو خارجها، والكثير من الخطط الشخصية الأخرى. في هذا السن ستدرك أن ليس هناك وقت للتأجيل، وربما تجد نفسك تنجز في عام ما لم تنجزه في ثلاثة أعوام في العشرينيات من عمرك، ربما يكون إحساسك بأن العمر يركض مسرعًا مخيفًا، ولكنه في ذات الوقت يجعلك تخرج من منطقة الراحة الخاصة بك وتقتنص الحياة.
الثقة في الذات، كانت الهدية التي منحتها لي الثلاثين، وهو أمر ليس له علاقة بالكبرياء أو الغرور، إنما هو يخص قدرة الإنسان على رؤية نفسه بشكل واضح، حتى يرى نقاط ضعفه ونقاط قوته، ويقرر بنضج أن ينمي نقاط القوة ويحاول معالجة نقاط الضعف، فالشخص الذي يعرف قدر نفسه بما فيها من مميزات وعيوب، يستطيع أن يتخذ قرارات سليمة معظم الوقت، وعندما يرفض شيئا يرفضه لإدراكه أنه سيكون ضعيفا في تنفيذه، على الجانب الآخر عندما يوافق على شيء يعتمد على نقاط قوته؛ في تلك اللحظة لن يسمح لأحد بتهديد ثقته في نفسه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.