الشعراء الصعاليك معروف عنهم أنهم خرجوا من عباءة وتقاليد القبيلة في الجاهلية ليرسموا لأنفسهم طريقا موسوما بشعار خالف تُعرف، فنجحوا حين صنعوا لنا من خلال هذا التمرد لوحات جمالية لدرر شعرية آية في الإبداع والتميز.
ومع الاختلاف الشاسع في نوعية وجودة الإنتاج -وكما أن التاريخ بطبعه يعيد نفسه- هم كذلك اليوم بعض من روائيينا وشعرائنا ممن أطلقوا على أنفسهم تسمية "المتنورون" هروبا من مصطلح الصعلكة، مكررين تجربة الشعراء الصعاليك في التنصل من أصالتهم وثقافتهم، ويا ليتهم كرروها في إنتاج إبداع منقطع النظير كما فعل الشنفرى وعروة بن الورد وغيرهم، لكنهم وقعوا في تقليد قشور ثقافات أخرى، فأصبحوا يجترون مصطلحات تلوكها ألسنتهم كالذي يمضغ موادا ليست قابلة للمضغ والهضم، أغلبها موجود في علم اللسانيات الحديث، محاولين الهروب من التقليد مخفين بذلك افتقادهم لأدوات العلم باستعمالهم تحليلات وعبارات تفاجئ وتبهر غير المُطلع فيَحْسَبهم من الراسخين في العلم، فأصبحوا بجدارة واستحقاق أدوات ومعاول للهدم وجلد الذات وتدنيس للمقدس وبذلك الابتعاد عن ضمير الأمة.
إن محاولة الرد على هؤلاء بتشجيع أهل الاختصاص وأولي العلم والفهم على الرد على تفاهات لا ترقى حتى إلى شبهات، قد يكون أمرا غير صائب لأن هؤلاء لا يملكون لا أدوات العلم ولا منهجيته ولا رتبته، ولو كانوا في رتبة علمية متقدمة مثل فطاحلة العلمانية ممن يدعون حمل لواء التنوير والتجديد لكان الأمر قابلا للمناقشة، ودقا لناقوس الخطر وإعلان النفير لاستنهاض العلماء والفقهاء ليواجهوا الخطر المحدق، فما هم إلا فقاعات تنفجر في أول تلامس مع الواقع وهم مجرد ممثلين صنعتهم الصدفة والمفاجأة والرضى بالقليل.
الانحدار الخطير في إبراز من لا يستحق ما هو إلا ضرب من الجنون وعدم إدراك لنتائج هذه الجرأة التي تجعلنا نحذر من أخطار هذه الحملات التي تتكرر دوما وبأساليب مختلفة، وندعو إلى معرفة من يقف وراء ذلك |
إن الذي يوقف هؤلاء عند حدهم في اعتقادي لزامٌ عليه أن يحتسي قارورة شراب مثل ما يحتسون ويُجَالس نوعا من النسوة مثل ما يجالسون، حتى يعلم حقيقتهم وتفاهتهم وماخفي كان أعظم. ومواد الصعلكة في ذلك معروفة مشهورة ويسير جدا أن يردد أي شخص مصطلحاتهم من علم الخرطولوجيا لتمييع القضايا وشد الانتباه لصرف النظر عن ماهو أهم، وبذلك يحظى ناصب الشباك بما يريده وهو أن يكون الرأي والرأي الآخر في مستوى واحد من التدني والدناءة يتم عرضها على قنوات إعلامية تسعى لإثبات الوجود، فيحظى بعدد أكبر من المتابعين والمهتمين وأهداف أخرى منها المعروف والمكشوف ومنها المخفي والمستور، وللسادة المتابعين التفصيل والتحليل أكثر.
إن بواعث هذه الصعلكة بحلتها الجديدة عند هؤلاء الممثلين لا تخرج عن نطاق تحقيق أهداف مادية كالاستفادة من مناصب أو امتيازات كطبع إصدرات بالمجان وماشابه ذلك، أو معنوية بردة فعل لحيازة مكانة اجتماعية افتقدوها -لا يهمهم تصنيفها- المهم أن يحظوا بالاهتمام حتى ولو ذُكِروا بسوء، هذا من ناحية من يقومون بالتمثيل أما المخرجون لهذا السيناريو فالحديث عنهم هو الأهم.
إن هذا الانحدار الخطير في إبراز من لايستحق ولا يملك القدرات العلمية والأخلاقية لمناقشة مواضيع تتعلق بالإسمنت المسلح الذي يَرُص لبنات الوطن الذي نعيش فيه، وحلقات النسيج الاجتماعي التي تعتبر الخط الأحمر الذي وجب أن يحسب له ألف حساب عند الكلام فيه، ماهو إلا ضرب من الجنون وعدم إدراك لنتائج هذه الجرأة التي تجعلنا نحذر من أخطار هذه الحملات التي تتكرر دوما وبأساليب مختلفة وندعو إلى معرفة من يقف وراء ذلك.
إن الهبة المجتمعية الرافضة التي بدت آثارها واضحة في مواقع التواصل الإجتماعي تبشر بالخير، فالأمة تبدو محصنة لمواجهة من يحاول تفكيك نسيجها، وهو فشل آخر للمخابر التي تحاول زرع الداء القاتل في جسدها، ووخزة أخرى لعل الموكلين بحراسة المبادئ وحماية العرين يستيقظون ويواكبون التطورات المتسارعة في وسائل الاتصال والتواصل، فحين بقوا متوقفين مذهولين لمدة غير قصيرة أمام هذا التطور الرهيب في وسائل وأدوات التواصل، كان الأولى مواكبتها لتحصين الجيل القادم من حملات الردة التي لم تتوقف يوما، وذلك بتجديد خطط الدفاع والمواجهة لتفكيك هذا الخداع الجديد وملء خزان الدفاعات الذي أوشك على النفاذ، فالهجمة صارت بأساليب تبدو بدائية مكررة لكنها في مستوى عال من التخطيط والتنفيذ وبأقل التكاليف.
إعلان
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.