شعار قسم مدونات

مكننة المجتمع العربي وتحويل الإنسان إلى آلة

blogs - man
أورد الكاتب كريم أبو حلاوة في مقالة له بعنوان "المثقف العربي بين السلطة والمجتمع" قصة تعكس الواقع الذي نعيشة اليوم. تعبر القصة عن مفهوم السلطة الذي يرتكز على العدل وليس الغبن والقمع والتعذيب، والمطاردة والسجن، وهذا نص القصة، "وجد كونفوشيوس مع تلاميذه عجوزا تبكى على أحد القبور في القفار فأرسل إليها كونفوشيوس تلميذا له يسألها عن سبب بكائها وحزنها فأجابته قائلة: إن والد زوجي قد فتك به نمر في هذا المكان، ثم ثنىّ النمر بزوجي، وها هو ذا ولدي قد لاقى المصير نفسه، ولما سألها عن سبب إصرارها على الإقامة في هذا المكان الخطر أجابته: ليس في هذا المكان حكومة ظالمة، فالتفت كونفوشيوس إلى طلابه وقال لهم أي أبنائي، اذكروا قولها إن الحكومة الظالمة أشد وحشية من النمر".
   
جعلتني هذه القصة انظر إلى واقعنا العربي وكيف تحولت مدن الوطن العربي إلى سجون كبيرة مفتوحة وداخل هذه السجون سجون مغلقة يُرتكب داخلها أبشع الجرائم بحق الأبرياء والكتاب والأدباء والمثقفين وكل صوت حر يقول لا للظلم. هاجرت العقول العربية إلى الخارج، ومن لم يستطيع الهجرة إلى الخارج هرب إلى الأرياف عله ينجو من آلة القمع الجهنمية التي تطارد كل من يريد الخير لأمته ووطنه. لا تسمح هذه الأنظمة للمواطن العربي أن يعبر عن حريته وأن يطالب بحقوقة. تريد هذه الأنظمة النازية تحويل المجتمعات العربية إلى ماكنة تسمع وتطيع كل ما يُملى عليها من قبل السلطة الحاكمة. 
  

يمكن أن نصف بعض الأنظمة العربية التقليدية الملكية أو السلطانية بفاشية ناعمة، لأنها تنتهج الأساليب نفسها التي انتهجتها الأنظمة القمعية الفاشية وإن اختلفت الوسائل والأساليب

أورد الكاتب الألماني لوينثال في مقالة له بعنوان "الجحيم"، "جهنم الفريدة والحديثة التي جلبها إنسان القرن العشرين هي دكتاتورية الحزب الواحد وهي "جهنم" التي لا يسكنها أي قانون أو أي اعتبارات أخلاقية أثناء ممارساتها لسلطاتها، والتي تنكر على الفرد ملاذه الخاص وتجهد لاختراق كل مجالات الحياة، وتجعل كل الموضوعات تخدم أغراضها. تصور هذه السطور واقع الأنظمة الشمولي في العالم بما فيها الأنظمة العربية. كما أن هذه السطور تعبر عن الواقع المعيش في الوطن العربي، وكيف أن السلطات العربية لا تؤمن سوى بحقها في الحكم، وتريد أن تحول الإنسان العربي إلى مجرد تابع لا حول له ولا قوة، فالدول الجمهورية العربية تؤمن بأحقية الحزب الواحد ولا يحق لأي حزب سياسي أن ينافسها في الحكم، وما يحصل في مصر هذه الأيام هو خير دليل على ذلك.

     
رأينا كيف قمع النظام المصري كل من حاول أن يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية في الأيام القليلة الماضية، أما الأنظمة الملكية العربية فتؤمن بأن حكم الأسرة ينبغي أن يكون له القول الفصل في كل صغيرة وكبيرة. هناك أيضا أُسر عربية ملكية ما زالت تمسك بزمام الحكم في بعض الدول العربية بقوة الحديد والنار. علاوة على ذلك -وهو الأمر الأخطر- هناك عوائل عربية تؤمن بأن الأحقية في الحكم هي لها. تدعي هذه الأسر أنها من آل بيت رسول الله، ولذلك حقها في الحكم هو مقدس وتاريخي وديني ولا ينبغي أن ينافسها في الحكم أحد. مما يؤلم أن هذه الطبقة تستبيح دم من يعارضها أو لا يدين لها بالولاء، والحروب التي تحصل في سوريا واليمن خير شاهد على جرائم هذه الطبقة، وكيف تقتل الأبرياء من أجل البقاء في السلطة ولو على الجثث المحترقة.
  
كتب الروائي الروسي ليفغيني زامياتين روايته الشهيرة بعنوان "نحن". كانت هذه الرواية هي الشرارة الأولى ضد نظام الحكم الواحد. كُتبت هذه الرواية في أعقاب الثورة البلشفية أي في العام 1924، وكانت تعتبر الرواية الأولى التي انتقدت حكم الفرد المطلق والحكم الشمولي. وضّحت هذه الرواية كيف يعيش الناس تحت رقابة الأنظمة الشمولية، وكيف غرست الأنظمة الشمولية ثقافة فضاء المراقبة، بحيث يشعر كل فرد أنه تحت المراقبة، مما يعني تحول الإنسان إلى كائن خائف يشعر بأنه مراقب في كل شؤون حياته من قِبل السلطة. يصنف النقاد هذه الرواية ضمن رويات الخيال العلمي المستقبلي.
   
undefined
   
جاء بعد ذلك الكاتب البريطاني، جورج أورويل، وكتب روايته ذائعة الصيت "مزرعة الحيوان"، تدور أحداث هذه الرواية الإنجليزية حول مجموعة من الحيوانات تعمل داخل مزرعة رجل، ولكن صاحب هذه المزرعة ظالم ويعامل الحيوانات بطريقة بشعة. قامت هذه الحيوانات بثورة ضد هذا الرجل ونجحت في طرده من المزرعة بقيادة قائد الثورة وهو خنزير يدعى ميجر، بعد ذلك بفترة قليلة مات ميجر وحكم المزرعة ثلاثة خنازير أخرى. وضعت هذه الحيوانات قواعد ولكنها لم تطبقها في الواقع، وكانت هذه الحيونات الثلاثة تقمع بقية الحيونات تحت مبررات واهية. نص الرواية يعبر عن الواقع الذي عاشه الروس، وكيف عاش الشعب الروسي تحت خداع حكم ستالين، حيث انتهت الثورة التي قامت من أجل العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان إلى النقيض، وهذا هو حال ثورة الوطن العربي في بداية القرن العشرين ضد الخلافة العثمانية، حيث إن قائد ما سُمي بالثورة العربية خرج من أجل حرية العرب وكرامتهم، ولكنه بعد ذلك حاول اختزال شبه الجزيرة العربية وأجزاء من بلاد الشام والعراق في أسرته. وعمل عكس مبادئ الثورة التي أعلنها تماما، وبقية القصة معروفة.
   
أما واقع الأنظمة العربية اليوم؛ فيمكن أن نصف فيه بعض الأنظمة العربية التقليدية الملكية أو السلطانية بفاشية ناعمة، لأن هذه الأنظمة تنتهج نفس الأساليب التي انتهجتها الأنظمة القمعية الفاشية وإن اختلفت الوسائل والأساليب. أما الأنظمة العربية الجمهورية فهي أنظمة قمعية ظاهرة للعيان وتجاهر وتتباهى بظلمها لشعوبها المغلوبة.

مما سبق يتضح أن الكتاب: لوينثال، ليفغيني زامياتين، جورج أورويل؛ حذروا في أعمالهم من الأنظمة القمعية والتي تحاول مكننة الإنسان وتحويله إلى آلة. ولذلك؛ ينبغي على الشعوب العربية وعلى وجه التحديد ثوار الربيع العربي أن يواجهوا الطغاة العرب وألا يستسلموا لهذه الأنظمة القمعية الشمولية، وإذا لم يقاوموا هذه الأنظمة الفاشية فستنتصر، وربما قد تنجح في تحويل المواطن العربي إلى مجرد آلة غير قادر حتى على التفكير الصحيح.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان