في ذكرى وفاة السلطان.. دوافع إنشاء خط حديد الحجاز وموقف الدول الكبرى منه. تعود فكرة إنشاء خط حديد الحجاز إلى عام 1864؛ حيث قام المهندس الأميركي الدكتور "زيمبل" بتقديم أول مخطط للمشروع إلى الإدارة العثمانية، ولكن العرض لم يتحقق بسبب التكلفة العالية.
في عهد السلطان عبد العزيز تبلورت الفكرة ووضعت على جدول أعمال الإدارة العثمانية، غير أن الأوضاع الاقتصادية والمالية لم تتح الفرصة لإنجاز هذا المشروع. عندما استلم السلطان عبد الحميد الثاني إدارة الحكم وضع هذا المشروع ضمن جدول الأعمال من جديد؛ فقد كان يرغب بتنفيذ أعمال ملموسة تعيد للدولة هيبتها، وتوحد أراضيها، وتمنع انهيارها.
دوافع إنشاء خط الحجاز
دوافع دينية: إن إقامة خط بين إسطنبول ومكة المكرمة سيقلل من عناء السفر إلى شبه الجزيرة العربية خلال موسم الحج والأوقات الأخرى، حيث سيكون أداة نقل للآلاف من الحجاج لتأدية مناسكهم الدينية براحة وطمأنينة، وكما هو معروف كان الحجاج يأتون إلى بلاد الحرمين مشاة وركبانا على ظهور الجمال والدواب، وكانت رحلتهم تستغرق أكثر من شهرين ذهابا، وأكثر من شهرين إيابا يتحملون خلالها كل أنواع المعاناة والمشقة، بالإضافة إلى غارات واعتداءات بعض البدو، وقلة الأماكن المأهولة.
تنفيذ مشروع خط حديد الحجاز جمع المسلمين تحت علم الدولة العثمانية، لذلك كان أول أهداف الإنجليز في الحرب العالمية الأولى نسف الخط وقطع الاتصال بين الدولة وشبه الجزيرة العربية |
لقد أصبحت مدة الرحلة التي كانت تستغرق أكثر من شهرين قبل إنشاء الخط، ثلاثة أيام بعد إنشاء الخط ودخوله الخدمة، كما أن حركة القطارات كانت متوافقة مع أوقات الصلوات الخمس، وكانت هناك عربة مخصصة للعبادة والصلاة، وازداد عدد الحجاج من 80 ألفا قبل إنشاء الخط إلى 300 ألف بعد إنشائه.
دوافع اقتصادية: توثيق الصلات التجارية بين البلدات العثمانية، وفي هذا الصدد قامت الحكومة العثمانية ببناء العديد من المخافر (قصور) على مدى الخط لتأمين احتياجات الحجاج؛ من ماء وغذاء أثناء رحلتهم. من هذه القصور أو المخافر قصر القطرانه، وقصر الضبعة، وقلعة الحسا. كما تغير طريق إرسال الصرة السلطانية وهي الأموال المخصصة والمرسلة من الدولة إلى الأماكن المقدسة، فقد كانت ترسل عن طريق البر، ثم عن طريق البحر، ثم عن طريق القطار بعد إنشاء الخط، حيث أصبح وصولها أسرع وأسهل.
دوافع عسكرية: اعتبرت الدولة العثمانية خط حديد الحجاز وسيلة هامة في تعزيز سلطة الدولة وجعل إقليم غرب الجزيرة العربية يعتمد على مركز سلطتها، ويبدي ولاءه لها أكثر من ذي قبل، في حين أصبح من الممكن أن تصل القوات العسكرية العثمانية عبر خط الحجاز إلى أبعد نقطة داخل أراضي الجزيرة العربية بشكل سهل وطريقة سريعة، في وقت كان الصراع الدولي على أشده ولا سيما في تلك المنطقة.
دوافع سياسية: لا شك أن إنشاء خط حديد الحجاز كان أداة تؤيد وتعزز السياسة الإسلامية في أرجاء العالم كافة، فقد كان السلطان يدرك تماما أن امتداد سكة حديدية حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة سيعيد هيبته ويعزز مكانته كخليفة للمسلمين في العالم الإسلامي عامة والجزيرة العربية خاصة، كما سيؤدي ذلك لاسترداد مكانة العالم الإسلامي المسلوبة في التوازن العالمي من جديد. حقيقة إن امتداد خط الحجاز لعب دورا مهما قبل الإنشاء وبعده في سياسة ذلك العصر حيث مكن السلطان من أن يقف أمام دول العالم أجمعها كخليفة للمسلمين وكأمير لهم. باختصار إن تنفيذ مشروع خط حديد الحجاز جمع المسلمين تحت علم الدولة العثمانية، لذلك كان أول أهداف الإنجليز في الحرب العالمية الأولى نسف الخط وقطع الاتصال بين الدولة وشبه الجزيرة العربية. لابد من القول إن الدوافع في أي أمر ما تتداخل تداخلا وثيقا في ما بينها.
موقف الدول الكبرى
لم تبد ألمانيا أي اهتمام بمشروع الخط وإنجازه بادئ الأمر، لكن بريطانيا كانت مضطربة وقلقة، وقامت بتغيير سياستها تجاه الدولة العثمانية، فبعدما كانت تعتقد أن الدولة العثمانية دخلت حقبة تفتت وانهيار، وجدت إنشاء الخط مشروعا ناجحا يعيد سلطة الدولة إلى الأماكن التي سيمر بها. لذلك سعت بريطانيا لمنع إنشاء الخط من خلال منع التبرعات له عن طريق الأخبار الكاذبة التي كانت تنشرها في الجرائد، كما عارضت عبور الخط من معان ووصوله إلى خليج العقبة، واستمرت بريطانيا التي رأت في الخط تهديدا لمصالحها في الشرق بالتدخل حتى بعد إنشاء الخط إلى أن فجرته على أيدي لورانس. وقفت فرنسا نفس الموقف الذي أبدته بريطانيا تجاه الخط وعارضت بشدة إنشاء خط بين القدس والعفولة وذلك للحفاظ على نشاطها السياسي في منطقتي سوريا وفلسطين.
رغم كل المحاولات التي بذلتها بريطانيا وفرنسا لمنع إنشاء الخط إلا أن السلطان عبد الحميد استطاع إنجازه، واستطاع أن يجني منه النتائج المرجوة منه سياسيا وعسكريا واقتصاديا ودينيا واجتماعيا وديموغرافيا، لكن مع الآسف حققت جمعية الاتحاد والترقي ما عجزت الدول العظمى آنذاك عن تحقيقه، حيث عزلت السلطان وأضاعت كل شيء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان