شعار قسم مدونات

الطائرة الإسرائيلية.. والأسئلة السورية

مدونات - الطائرة الإسرائيلة
لا يمكن للمواطن السوري أن يكون حزينا لإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وفي ذات الوقت لا يمكنه أن يكون محتفيا بنظام الأسد ومن ورائه الإيرانيون الذين أوغلوا في دمائه على مدار سبع سنوات مضت، هذا ببساطة يُعتبر موقفا مبدئيا لدى الشارع الثوري الذي أنهكته الحرب، لكنه ما زال ثابتا على مواقفه إزاء قضايا أمته.
ربما من الصدفة أن تزامن إسقاط الطائرة مع التحقيقات التي كشفت عن تعاون مؤسسة أورينت "الثورية" السورية مع إسرائيل لإدخال مساعدات للسوريين بالمناطق الجنوبية، لكنه حتمًا طرح تساؤلات حول شكل العلاقة بين سوريا الثورة وإسرائيل، وموقف الشارع السوري -بشقيه الموالي والمعارض- من العلاقة مع الاحتلال.
بالنسبة للنظام السوري فشعاراته تسبق تصرفاته حيال العداء لإسرائيل، أما ما يُتفق عليه تحت الطاولة فهو قضية أخرى تكشفها تصريحات مسؤولين إسرائيليين بين فترة وأخرى حول الخدمات التي يقدمها الأسد ببقائه في السلطة مقابل خصومه بكافة توجهاتهم.

المطلوب من المعارضين السوريين الالتفات إلى قضيتهم على أنها قضية وطن ودولة، لا علاقات ومكاسب ونجاحات لمشاريع شخصية، ودولة ممزقة كسوريا لن يوحّدها التقارب أو التطبيع مع إسرائيل
الاحتفال الذي أظهره الشارع المؤيد للأسد بإسقاط الطائرة متوقع وعاديّ، لكن من غير المفهوم أن كثيرًا من أبناء الشارع العربي لا يزالون يتعاملون مع النظام السوري على أنه نظام عربي يخطئ ويصيب، معتبرين أن إسقاطه للطائرة -وهو هنا مجرد فاعل وليس صاحب قرار- جزء من أفعاله المحمودة، غير آبهين أو بعضهم ما زال مُنكرًا لما فعله هذا النظام في السوريين من قتل وذبح وتشريد.
 
على الجهة الثانية يبدو موقف الثورة السورية المنهكة أصلًا بقتالها النظام ومليشياته وداعميه، يبدو موقفها السياسي حيال الاحتلال الإسرائيلي أكثر ضبابية، ليس ابتداء بموقف المعارض كمال اللبواني، وليس انتهاء -ربما- بدور رجل الأعمال المعارض أيضًا غسان عبود ومؤسسته "أورينت".
ربما يصنف موقف اللبواني على أنه موقف شخصي أُدين من قبل جهات عدة، لكن المشكلة في عبود وأورينت أنهما يمثلان مؤسسة ثورية ضخمة تمتلك من الرصيد لدى الشارع والفضاء الإعلامي ما لا تمتلكه ربما مؤسسة إعلامية وإنسانية أخرى على الإطلاق.
المعضلة التي ألحقها المعارضون السوريون بأنفسهم، أنهم انخرطوا ضمنيًا باتهامات النظام حين قال عنهم إنهم تابعون لـمعسكر الإمبريالية والغرب ومعهم إسرائيل، وجعلوا من أنفسهم أحيانًا تابعين للمخطط الأمريكي في المنطقة بالارتهان إلى الدعم الأمريكي وغيره، كردٍّ ساذجٍ على ارتماء الأسد بالحضن الروسي والإيراني، وبانتظار نتائج إيجابية لم يُر منها شيءٌ إلى الآن.
 
ألا يحق للمواطن السوري الذي أنهكته الحرب سؤال قياداته العسكرية والسياسية عن طبيعة علاقاتهم مع الأمريكان والإسرائيليين كما أنهم يعيبون على الأسد ليل نهار أنه "ذيل الكلب" وأداة إيران الأكثر رضوخًا في المنطقة؟ لماذا يعاقب الشارع الثوري نفسه بمسامحة قياداته بارتكاب فظائع سياسية واستراتيجية وأحيانًا "خيانات" في سبيل الإبقاء على صورة الثورة بيضاء ناصعة؟ ونحن نعلم جميعًا أنها اليوم ليست كذلك.
  
undefined

 
علينا أن نتفق كسوريين فيما بيننا أنه لم يعُد يمثلنا أحدٌ اليوم على الساحة لا السياسية ولا العسكرية، والمنخرطون في العمل العسكري الثوري لا يعفيهم ذلك من المساءلة عمّا آلت إليه أمور سوريا الثورة، فحلب قد سقطت وإدلب تحترق اليوم ومئات الآلاف يعيشون في الغوطة تحت وطأة الحصار، والسبب إلى جانب المؤامرات الكونية التي غزت سوريا، أن الرايات البيضاء الناصعة التي أيّدها الناس في آذار 2011 لم تَعُد هي ذاتها.

وبكل وقاحة وبجاحة، ومع تردي الوضع السوري على الصعيد الداخلي، تتكشف خيوط الأدوات الإسرائيلية التي كانت تبذل جهدها نحو دعاية الاحتلال ليتقبلها الشارع السوري عبر الشاشة الثورية "الأقوى"، هذا ما ظهر حتى الآن وهم رجال أعمال ومجرد معارضين في الخارج.. فكيف بهؤلاء إن استلموا منصبًا أو وصلوا موصلًا في سوريا؟
المطلوب من المعارضين السوريين اليوم الالتفات إلى قضيتهم على أنها قضية وطن ودولة، لا علاقات ومكاسب ونجاحات لمشاريع شخصية، ودولة ممزقة كسوريا لن يوحّدها التقارب أو التطبيع مع إسرائيل، لأن العنصر السوري معروفٌ عنه عداؤه لإسرائيل، فما بالك إن كان "ثوريا"؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان