يمكن وصف أول ربع ساعة من الفيلم على أنه يسهل الخلط بينها وبين إعلان تجاري مبهرج لمشروب بكاردي الكحولي أو لسيارة حديثة الطراز. تصل الألوان بها إلى أقصى التشبع، وتنبض الموسيقى التصويرية بموسيقى راقصة صاخبة بينما تجلس بطلة الفيلم "جين" -والتي قامت بتأدية دورها الممثلة ماتيلدا لوتز- متكاسلة بعد أن أخذها حبيبها "ريتشارد" -الذي يؤدي دوره كيفن يانسنز- بالمروحية إلى منزل عطلة صحراوي ناءٍ. ريتشارد رجل متزوج لكن جين على علاقة غرامية معه. تعرف مخرجة الفيلم كورالي فارغيت تماماً نوع خيال السلطة الذكوري الذي تقوم بتغليفه للمشاهدين. يبدو الأمر وكأن جين في قلب حفلتها الخاصة بها على الرغم من أنه تم جلبها لهذا المكان فقط من أجل ريتشارد. من الناحية البصرية، يظهر فيلم "الانتقام" كحلم ممتلئ بالتيستوستيرون، ولكن -كما هو متوقع- سرعان ما يتحول إلى كابوس.
تميز عمل فارغيت الإخراجي الأول بكونه تمرين أنيق بشكل لا يصدق في صناعة أفلام الرعب التي تدور في أحد أشد وأبشع أنواع الأفلام؛ ألا وهي دراما الاغتصاب والانتقام، حاملةً رسالة تحديثها إلى القرن الحادي والعشرين. يتأرجح "الانتقام" بين الإثارة للحظة وبين التشويق المكثَّف والمطوَّل، إذ يمتلك عنصر دهاء يفجر الأحداث كمدافع البازوكا في وجهك، ولكنه سيكون وقتاً رائعاً يحبس الأنفاس إذا ما استطعت تحمّل أكثر لحظات العنف فظاعة.
لن يكون الانتقام تجربة يمكن لكل مشاهد التعامل معها، ولكن كجزء من الرعب الشديد، فهي بداية ذكية وملفتة لفاغريت |
أما الأمر الأكثر إثارة للإعجاب في الفيلم هو تغيّر نظرة الكاميرا ببساطة ولكن بقوة في آنٍ واحد. في المشاهد الافتتاحية التي تتسم بالشوفينية (وهي التعصب الأعمى أو عنجهية الرجل)، يتم تقديم جين كأداة جنس لا دور لها، فهي بالكاد لديها أي سطور لقولها. ثم تبدأ الأمور في التحول بعد يوم واحد من رحلة جين ومغادرة ريتشارد، يظهر رجلان يحملان السلاح في المنزل، ولكنهما موجودان في رحلة صيد سنوية، وهو نشاط آخر لريتشارد من ضمن أنشطة "ألفا" السيطرة السخيفة. تتعامل جين بودية معهما، ولكنها تصدّ ستان -الذي أدى دوره فنسنت كولومب- عندما يتحرّش بها، فيهاجمها بدوره.
يتم تصوير هذا المشهد -الذي يبدأ "صدفةً" عندما يرى ستان جين وهي تغيّر ملابسها، ثم يحاول مغازلتها- باستخدام نفس أسلوب المشاهد الافتتاحية: ألوان نابضة بالحياة، لقطات مقربة بطيئة الحركة، ولكن لديه طبقة مضافة من التهديد. تكمن مناورة فارغيت بتشكيل عالم خيالي لريتشارد ثم تقوّض وتهدم ذلك الخيال بالسرعة نفسها. في رحلة النعيم هذه، فكرة عدم حصول رجل على ما يريد فوراً هو لعنة. عندما يكتشف ريتشارد أن ستان اغتصب جين، فإنه يغضب، ولكن عندما تهدده جين بإخبار زوجته عن ذلك يغضب تماماً ويستجيب عن طريق دفعها من أعلى المنحدر وتركها للموت.
يحدث ذلك في الفصل الأول من الفيلم الذي يمتد لساعة وخمسين دقيقة وهو وقت طويل جداً لفيلم إثارة يتميز بحواراته القصيرة. أما بقية الفيلم يتبع رحلة جين في التعافي من موتها القريب، ململمة شتات نفسها في الصحراء القاسية، معلنة انتقامها بينما يحاول ريتشارد وستان ورفيقهم ديميتري (الذي أدى دوره جيوم بوشيد) العثور عليها وقتلها. هناك الكثير من الدم -جميع الرجال مسلحين ببنادق كبيرة ونصول أكبر، بينما تنطلق جين بذكائها فقط؛ لكن أكثر المشاهد التي يصعب مشاهدتها تركز على الإصابات المفتوحة الملتهبة (حرفياً).
هناك مشهد طويل عندما تضطر جين إلى إجراء عملية جراحية مرتجلة على نفسها بعد أن يخترق جسدها فرع شجرة. في وقت لاحق، كان على ستان أن يسحب عدة شظايا من الزجاج من قدمه الدامية بعد أن صعد إلى فخ وضعته له جين. إنها أمور مثيرة للاشمئزاز، لكن فارغيت تركز كاميرتها على هذه الإصابات لسبب ما. تركز الكثير من أفلام الاستغلال -التي تقوم فارغيت بتخريبها- على الهدف الكئيب المتمثل في قتل الناس، كما لو أنها قائمة من المهام التي يتم التأكد من إتمامها -أو الأسماء التي يتم التأكد من قتلها- كافية لإعادة التوازن إلى المقاييس. وتريد فارغيت أن تبقي أثر الجرح الذي عانت منه جين والجروح التي تسببت بها في المقابل. تغاضياً عن عنوان الفيلم، فإنه يدور حول التحول والتحويل أكثر منه عن الانتقام.
وبالفعل، بعد إزالة جذع الشجرة من بطنها، قامت جين بكي الجرح البليغ بعلبة بيرة حيث قامت بقطعها ووضعها كضمادة معدنية تم تسخينها على نيران الحطب. ينتهي هذا الإجراء المنقذ للحياة بوضع شعار طائر الفينيق -وهو رمز للبعث من جديد- على بطنها. الإستعارة واضحة كشعاع الشمس بينما تسير جين للقضاء على مهاجميها. تستخدم فارغيت أيقنة (مجموعة صور) مألوفة معادية للمرأة، وتضعها على نار هادئة حتى تغلي لتظهر معها كل قسوتها وبغضها إلى السطح. لن يكون الانتقام تجربة يمكن لكل مشاهد التعامل معها، ولكن كجزء من الرعب الشديد، فهي بداية ذكية وملفتة لفاغريت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.