من يتابع أحداث تاريخ اليمن، خصوصاً في مناطق شمال البلاد، يجد أن الهاشمية اليمنية كانت تلعب على الحبلين. كانت هذه الطبقة تحكم اليمن تارة بقوة الحديد والنار، وتارة باسم الله ورسوله والإمام علي، وتارة أخرى من خلال التصالح مع شيوخ القبائل بمنحهم بعض الامتيازات الشخصية. كما أن هذه الطبقة، التي تتبنى المذهب الزيدي كمرجعية فكرية لها في الحكم والعبادات وغير ذلك من أمور الدنيا والدين، لم تكن تطبق هذا المذهب في الواقع وإنما تستخدمه لتضحك به على البسطاء ولتمرير أجندتها الخاصة.. على سبيل المثال، من شروط ولي أمر المسلمين في المذهب الزيدي أن يكون عالما ومتصفا بالكرم والأخلاق، والشجاعة، وأن أهل الحل والعقد (العلماء) هم من يختار ولي أمر المسلمين.
لكن أئمة الطبقة الهاشمية اليمنية ضربوا بهذه الشروط عرض الحائط -نورد قصة في هذا المقال- عندما تفجر الصراع بين الإمام يحي بن حميد الدين والإمام القاسم في صعدة كان هناك شبه إجماع من علماء الزيدية على اختيار الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسم ولي أمر المسلمين، لأنّه يحمل الكثير من الصفات التي ينبغي توفرها في الإمام، لكن الإمام يحيى انقلب على العلماء وأخذ الولاية بالقوة. أورد إسماعيل بن علي الأكوع في كتابة "هجر العلم ومعاقله في اليمن" أن الإمام يحيي أوعز إلى الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر بأن يخاطب أهل الحل والعقد (العلماء) بأنه لا يصلح إلا هو لولاية اليمن، وقام الأحمر -وهو شيخ قبيلة حاشد اليمنية- بمخاطبة العلماء وهم في مكان اجتماعهم في إحدى مناطق عمران بقوله لهم:
"يا سادة يا فقهاء ما بش (لا يوجد) معنا غير سيدي يحيى، ولا خرجة لكم من مكانكم إلا بعد مبايعتكم له، وأعلن الجميع اختيارهم له إماما، وبايعوه على الفور." لكن، الإمام القاسمي لم يقبل بهذا الانقلاب الذي حصل من قبل الإمام يحيى؛ لذلك "كانت أول مشكلة واجهت الإمام يحيى بعد إعلان دعوته هي مشكلة ادعاء الحسين بن يحيى القاسمي الإمامة لنفسه في ضحيان والمناطق المجاورة لها، والذي كان قد ادعى الإمامة في نهاية عهد الإمام المنصور. بعد أن بايعه عدد من علماء هجرة فللة. ص 67 من كتاب "علاقة العثمانيين بالإمام يحيى". وهكذا يتضح أن قادة هذه الطبقة كانوا يستخدمون المذهب الزيدي كمطية لتنفيذ أجندتهم الخاصة، ولم يكونوا يؤمنون بالمذهب الزيدي قولاً وفعلاً، ويطبقونه في واقع حياتهم.
كما أن قادة هذه الطبقة كانوا يستخدمون الكثير من الحيل كي يستمروا في الحكم ولو مؤقتا، على سبيل المثال، خرج الإمام المنصور بالله من مدينة صنعاء وتوجه إلى صعدة كي تبايعه القبائل، وقد بدأ بإعلان توجهه السياسي من خلال الرسائل التي وجهها لعلماء وشيوخ القبائل اليمنية، يطلب منهم مبايعته على الجهاد ضد العثمانيين. كان هذا الإمام يغالط الحقائق ويؤلب القبائل ضد الخلافة العثمانية. ومن ضمن خرافاته التي كان يضحك بها على القبائل ويدعوهم إلى مبايعته لكي يجاهد العثمانيين أنه كان يدعي أن "العثمانيين ظلموا الناس وارتكبوا المحرمات ولم يحكموا بشريعة الله. وتحت هذا الشعار استطاع جمع القبائل التي كانت تتمرد على السلطة العثمانية من وقت لآخر" (ص40). من كتاب "علاقة العثمانيين بالإمام يحيى".
كما أن الأئمة المنتمين إلى الطائفة الزيدية في اليمن كانوا يستخدمون القمع والقوة وابتكروا نظام الرهائن كي يضمنوا ولاء شيوخ القبائل لهم. وكان ذلك الأسلوب غير الإنساني الذي يعامل به أبناء القبائل هو الذي حرك القبائل اليمنية للثورة ضد نظام الإمامة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وأخيرا، خرجت لنا جماعة الحوثي من أدغال كهوف صعدة تنادي بحقها الإلهي في الحكم، ولكن بطرق ملتوية. كانت مطالب هذه الجماعة في البداية مطالب حقوقية وكانت تدعي أنها مظلومة من قبل النظام السابق، ولذلك، تريد أن تسترد كرامتها المسلوبة وحقوقها المغتصبة.
تطورت مطالب هذه الجماعة يوما بعد يوم حتى وصل بها الأمر إلى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها الرجل النزيه الأستاذ محمد سالم باسندوة. دخلت عصابة الحوثي الزيدية صنعاء في 2014 وأسقطت الحكومة بالقوة واحتجزت رئيس الجمهورية وفعلت بالشعب اليمني ما لم يفعله أي محتل خارجي. لقد أظهرت هذه الجماعة حقدا دفينا على الشعب اليمني. فلن ينسى اليمنيون المجازر التي ارتكبتها هذه العصابة والتي لا تزال حتى حدود كتابة هذه السطور، سواء في تعز أو عدن، صنعاء، عمران، حجة، صعدة، الجوف، مأرب، البيضاء، لحج، أو الحديدة.
وهكذا يتضح -وبما لا يدع مجالا للشك- أن جزءا من هذه الطبقة "القادة الهاشميون" هم عدو اليمن الأول والأخير. فقد ارتكب قادة هذه الطبقة الجرائم في حق الشعب اليمني على مدى أكثر من تسعة عقود. ويقوم فكرهم على الصراع والثورة. ولذلك من إيديولوجية هذه الطبقة الصراع الدائم وهو ما نراه ماثلا أمام أعيننا اليوم من خلال ما يقوم به عبد الملك الحوثي وجماعته. ويبدو أن الشعب اليمني من خلال الجرائم التي يرتكبها الحوثي وعصابته الإجرامية فهم وعرف جيدا حقيقة هذه الطبقة الكهنوتية.. فهل ستكون الأحداث الجارية هي الرقصة الأخيرة لقادة الطبقة الهاشمية في اليمن وإلى الأبد؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام والأشهر المقبلة، فما علينا سوى الانتظار.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.