فليعلم هؤلاء الذين يحاولون اليوم خداعنا والترويج لأنفسهم بأعمال إنسانية ساذجة أننا ماعدنا نصدقهم مهما فعلوا، وإن كانوا يظنون أنفسهم ممثلين فهم بالتأكيد لم يعد بإمكانهم التمثيل علينا بعد أن كشفنا حقيقتهم، ولينتبهوا إن أرادوا خداعنا والفقراء في المرة القادمة إلى نقطة هامة؛ وهي أن أنجلينا جولي التي حاولوا تقليدها وادعاء الإنسانية مثلها كانت تبدو حين تجلس مع الفقراء واحدةً منهم ولايستطيع أحد تمييزها عنهم، وأجزم أيضاً بأنها حين تكون بين الجائعين كانت تعيش الحالة معهم وتجوعُ قبلهم وتبرد مثلهم لتشعر بهم، وهذا الشيء الوحيد الذي يجعلك صادقاً في نظر الآخر وهو أن تساوي نفسك به وتعيش حالته كي تحسّ بإحساسه، وعيش الحالة لايقتصر على المشاهير، بل الأهم منهم هم حكامنا الذين يعيشون في بروجهم العاجية، فمن أين لهم أن يشعروا بما نشعر أو يفهموا معاناتنا كشعوب وبيننا وبينهم كل هذه المسافات إن لم ينزلوا إلينا؟!
هذا، وليس أنجِلينا فقط هي الإنسانة، بل أغلب الفنانين والمشاهير هناك مثلها يحملون إنسانيةً لايمكن لأغلب الفارغين عندنا حملها، ويحضرني هنا مثال آخر للإنسانية حصل مع الفنان براد بيت في فيلمه الشهير "12 عاما من العبودية" وذلك حين كان عليهِ أداء دور يتلفّظ فيه بألفاظ عنصرية ضد السود، فما كان منه إلا أن توتّر وانهار بالرغم من كون الأمر تمثيلا حتى شجّعه الممثل الأسود على ذلك وقال لهُ بأن الزنوج معتادون على مثلِ هذه الكلمات العنصرية من العامة، ولكنّ الممثل الأسود حتماً كان يعلم في قرارة نفسه كممثل بأن التلفّظ بتلك الألفاظ إن كان سهلاً على العامةِ فهو بالتأكيد ثقيل على الفنان؛ فالفنان هو كتلة من أحاسيس، وهو قدوة الناس وواجهة بلدهِ، وإن هانَ الغلط على الآخرينَ فهو بالتأكيد لايمكنه أبداً أن يكون مثلهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.