مع كل متابعة للصحافيين بالمغرب بسبب مواد صحافية، ووفق القانون الجنائي لا قانون الصحافة، نطرح ذات السؤال: متى ينتهي هذا الوضع؟ حاليا يتابع أربعة صحافيين مغاربة، هم عبد الحق بلشكر ومحمد أحداد وكوثر زاكي وعبد الإله ساخير، وفق القانون الجنائي، فقط لأنهم نقلوا بما تقتضيه المهنية معلومات يحق للرأي العام المغربي أن يعرفها، خاصة وأنها تتعلق بصندوق التقاعد، الصندوق مثقوب الجيب بالرغم من ملايين المغاربة التي تدخله سنويا! وتنتظر هؤلاء الصحافيين، في حال الإدانة، عقوبات مالية غليظة أو السجن أو هما معا!
في المغرب أيضا، وبعد سلسة من الجلسات، غرّم رئيس النقابة الوطنية للصحافيين المغاربة، عبد الله البقالي، بسبب مقال افتتاحي نشره في الجريدة التي يعمل بها، كان موضوعه الفساد الانتخابي. وحكم بالسجن على الصحافي المغربي، حميد المهداوي، أيضا وفق مقتضيات القانون الجنائي، بتهم تمتد من التحريض إلى المس بالأمن. وقبلا سجن الصحافيان رشيد نيني، بتهمة تحقير مقرر قضائي ومحاولة التأثير على القضاء، والتبليغ بوقائع إجرامية غير صحيحة، وعلي أنوزلا الذي توبع وفق قانون الإرهاب حتى، لنشر موقعه الإلكتروني شريطا منقولا عن يوتيوب لتنظيم إرهابي.
هكذا دواليك.. كلما بحثنا سنعثر على اسم صحافي/ة وعلى قضية، وعلى ما يبدو سيتكرر مشهد جرّ صحافيين إلى المحاكم وإلى السجون لأنهم أدوا واجبهم المهني. ولا مبالغة في هذا إذا ما نظرنا إلى واقع الصحافة في المغرب. ونذكر كلمة "واقع" ما يجعل كفاءات المجال تعيش وتعمل تحت الضغط، أو تفكر بالهجرة أو هاجرت.
أيضا إذا ما نظرنا إلى تصنيف المغرب في مؤشر حرية الصحافة، حيث أدرجته منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها سنة 2017، ضمن الفئة ذات "الوضع الصعب"، التي تلي القائمة السوداء لأسوأ البلدان في العالم لممارسة الصحافة. وتقول منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها، إن "المغرب يواصل ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة".
الحق في الوصول إلى المعلومة يضيق عليه، وفق معايير تضعها على ما يبدو حسابات تخرج عن الشرعية المهنية والشرعية القانونية! |
وتصنف منظمة "فريدم هاوس" المغرب في خانة الدولة "غير الحرة" في مجال حرية الصحافة، ليحتل بذلك الرتبة 143 عالميا من أصل 199 دولة، ويحصل على 65 نقطة من مئة في تقييم مستوى الحرية في ممارسة الصحافة.
وترد الحكومة المغربية على تقرير "مراسلون بلا حدود "، على سبيل المثال، بالقول على لسان وزيرها في الثقافة والاتصال، محمد الأعرج، إن "التقرير ليس موضوعيا وغير محايد". ماذا تفعل الحكومة إذن لتثبت العكس؟
لقد انتظر الصحافيون لسنوات أن تخرج إلى الوجود مدونة الصحافة والنشر، لكن لم ينتظروا أن تكون مخيبة للآمال بهذا القدر وهي لا تكون حاميا لهم من المساءلة وفق القانون الجنائي، وهنا أذكر أن الصحافيين لا يرون أنفسهم فوق القانون، أو يطالبون بمساءلة من نوع خاص، وهي الذريعة التي تدفع بها الحكومة متحدثة عن تحقيق المساواة أمام القانون، بل ينطلق الصحافيون من وجوب مساءلتهم ومعاقبتهم، إذا ما اقتضى وثبت، وفق قانون الصحافة؛ فهم ينطلقون من مؤسساتهم المهنية بأخلاقيات مهنية واجب العمل بها، ووفق الحق في الوصول إلى المعلومة، وبضمير تجاه الشعب (ولا أتحدث هنا عن الحالات التي تحسب على الصحافة وتبقى استثناء شاذا) الذي يقرأ لهم والذي ينتمون له، والذي تعين الحكومات وتشرع القوانين لخدمته.
لكن الحق في الوصول إلى المعلومة يضيق عليه، وفق معايير تضعها على ما يبدو حسابات تخرج عن الشرعية المهنية والشرعية القانونية! وقبل الحديث عن المجلس الوطني للصحافة الذي يتوجه حاليا في المغرب نحو إحداثه، ليفكر مسؤولونا بحلول أولا تنظر في أمر القانون الجنائي الذي يسلط على رقاب أبناء المهنة، فالمؤسسات والقوانين عدة، لكن بالإحالات عوج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.