شعار قسم مدونات

قانون الصحافة المغربي وإشكالية مدير النشر

blogs الجرائد

بخصوص قانون الصحافة الجديد، يسألني العديد من المعنيين بالأمر خصوصا وبعض المهتمين، بموضوع اشتراط شهادة الإجازة الجامعية أو دبلوم التعليم العالي في الصحافة، كشرط أساسي للحصول على بطاقة الصحافي المهني وبالتالي صفة مدير للنشر، حسب ما تنص عليه مواد قانون الصحافة الجديد. والسؤال غالبا ما يكون استنكاريا، لأنني أعرف جيدا أن العدد الكبير من الصحافيين وممن يزاولون مهمة إدارة نشر العديد من المواقع الإخبارية والتي يسميها القانون الجديد "صحيفة إلكترونية"، لا يتوفرون على مستوى جامعي فبالأحرى مستوى دراسي عالي في الصحافة.

 

لأجل ذلك أقول من موقع مسؤوليتي كباحث في الإعلام والاتصال، وكصحافي مهني سابق لمدة تجاوزت العقدين، بأن مسألة التقنين بالطريقة المطروحة الآن في مدونة الصحافة والنشر، خصوصا ما يتعلق منها بشروط منح البطاقة المهنية، مسألة طبيعية جدا بالنسبة لمن يملك صحيفة إلكترونية أو لمن يريد ولوج عالم الصحافة بصفة مدير للنشر، والأمر طبيعي جدا لأن الصحافة كعلم وكفن للكتابة له تخصصاته وأجناسه المهنية التي تتطلب تكوينا ومعرفة ودراية وحنكة، لا يمكن لأي كان الغوص في بحر دون أن يكون حاملا لأدوات الغوص. هذا مع العلم أن هناك جيلا من الرواد في مجال الصحافة، ولجوها من باب المعرفة الأدبية بحيث تتوفر لديهم مَلَكة الكتابة وحسّ المغامرة والجرأة والموهبة والاطلاع الواسع على مختلف المعارف والمجالات، فكانوا فعلا روادا في الصحافة دون شهادة تخصص. لكن الأمر يختلف الآن!

يجب أن يكون هناك ضوابط على الجميع احترامها، مع تقنين مهمة
يجب أن يكون هناك ضوابط على الجميع احترامها، مع تقنين مهمة "مدير النشر" الذي يجب أن يكون مؤهلا تأهيلا يليق بمهمة المدير المسؤول عن نشر المعلومة
 

وأستسمح البعض الذي لن يروقه موقفي، لكني أتحدث من باب الاطلاع أولا، ثم من باب التجربة والممارسة المهنية وخصوصا التكوين في مجال الصحافة. لذلك أؤكد بأن مستوى الرواد لم يعد له أثر الآن، لأن المستوى التعليمي في الحضيض، ولأن درجات الوعي ليست كما كانت عند الرواد ممن سبقونا، ولأن ما أقرأه شخصيا وما أشاهده في العديد من المنابر الصحفية الإلكترونية، لا يعدو كونه عبارة عن "خربشات" لا علاقة لها بالصحافة المهنية، ولا أساس قانوني لها، وتتضمن أخطاء اللغة والتركيب والأسلوب ولغة التحرير الصحفي.. وهذا راجع بالأساس إلى ضعف تكوين أصحابها أولا، ثم إلى اعتقاد البعض أن مجال الصحافة وُجد لكي يكون مهب رياح الشرقي والغربي! للأسف، لا وألف لا.

مع ذلك، هذا لا يعني أنني ضد حرية الرأي والتعبير وضد الانفتاح واتساع رُقعة وسائل الإعلام المختلفة، بالعكس. لكني مع وجود ضوابط يجب على الجميع احترامها، مع تقنين مهمة "مدير النشر" الذي يجب أن يكون مؤهلا تأهيلا يليق بمهمة المدير المسؤول عن نشر المعلومة. وبالتالي فمن الضروري أن نعطي لهذه المهمّة، الصّفة، العناية والاهتمام والتقدير اللازم، ليس من هبّ ودبّ يمكن أن يتطفل على مجال الإعلام ويصبح بين عشية وضحاها مديرا لنشر صحيفة وهو لا يفقه من النشر سوى نشر ملابسه!

كما أؤكد أيضا، أن القانون المذكور كان عليه مراعاة تجربة ومسار البعض، وهم قلّة، ممن يتحملون مسؤولية إدارة نشر صحيفة ورقية أو إلكترونية، وقد زاولوا مهنة الصحافة لسنوات وتبث بالملموس أنهم يحترمون المعايير المهنية والقانونية، مثل هؤلاء كان من الواجب أن توجد لهم صيغة قانونية متفرّدة حتى لا تضيع جهودهم ونطالبهم بعد سنوات بأمور يصعب عليهم تحقيقها اليوم.

عموما، يجب الإقرار أنه لا يمكن أن نترك الحبل على الغارب -كما يقال-، ويجب أن نحصن مهنة الصحافة من الدخلاء الذي لا همّ لهم سوى التشهير من أجل الابتزاز، ويجب أن تظل المهنة لأصحابها. الطبيب طبيب، والمحامي محامي، والأستاذ أستاذ والصحافي صحافي، هذا أيضا حق من الحقوق لا يمكن لنا التسليم بتسيّبه حتى يصبح أيا كان، مع احترامي وتقديري للجميع، أن يصير صحافيا وهو لا علاقة له بالصحافة.

لقد وجب التأكيد على سلبية استخدام القوانين لتصفية المعارضين مادامت حرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومة، مضمونة

ولعل التعريف الوارد في النظام الأساسي للصحفيين المهنيين واضح لا يستلزم منا أي توضيح: فالصحافي المهني هو الذي يزاول مهنة الصحافة ويتقاضى عنها أجرا في مؤسسة أو عدة مؤسسات، وبالتالي لا يمكن لنا أن نجيز لتاجر مثلا أو لطبيب أو أستاذ ممارسة مهنة الصحافة في نفس الوقت الذي هو مُقيّد ويزاول مهنة أخرى! من غير المنطقي أن يكون ذلك، وإلا فإن حرية الرأي والتعبير مكفولة دستوريا وما عليه إلا أن يُمارسها من خلال التدوين، بمعنى الكتابة الحرة، ومن خلال إسهاماته عبر عدة مواقع اجتماعية مفتوحة لنفس الغرض، أو من خلال منصات عالمية للتدوين التي باتت مفتوحة لكل من له هواية الكتابة والتحليل والتعليق، وأيضا عبر مواقع المدونات الشخصية المعروفة.

يجب أن نعترف أيضا أن هناك قيودا وضعتها المدونة للتضييق على مجموعة من الأصوات المعارضة المنتقدة، وبأن تلك القيود مسّت في جوهرها معارضين لهم الحق في التعبير عن آرائهم في إطار حرية الرأي والتعبير المكفولة بقوانين وطنية وبمواثيق دولية، كما مسّت أيضا فئة نشهد لها بالممارسة المهنية منذ سنوات إذ سيطالها الإقصاء والحيف. لذلك وجب التأكيد على سلبية استخدام القوانين لتصفية المعارضين مادامت حرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومة، مضمونة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان