ظهر السيسي في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة كما ولو أنه لاعب مستعار لدى أحد الأندية المصرية، سرعان ما تعود به اللقاءات الكروية بين المنتخبات إلى صفوف بلاده الأم. السؤال الذي يجب أن يراود المصريين اليوم، من الذي مثّل الشعب المصري في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة خلال دورتها الثانية والسبعون؟
خلال كلمة السيسي في أعمال الجمعية العمومية بدت مصر وكأنها تائه فقدت بوصلتها في رمال الصحراء، أينما رأت السراب اتجهت نحوه، وأنّى للظمئان في السراب نجاةٌ من الموت. مصر بعد سلسلة من التعاويذ الاقتصادية التي ابتكرها السيسي خلال فترة حكمة الانقلابية باتت "بؤرة" يسكنها الإرهاب، حسب التوصيف الذي لم يرى السيسي أنه من الداعي الخروج عن نص الكلمة وتحويره بطريقة مناسبة، فطالما رأيناه خبيرا في الالتواءات الهلامية وتشتيت الأذهان عما يود قوله، بينما وجد السيسي الفرصة سانحة للخروج عن نص الكلمة التي ألقاها، موجها نداءاته ونصائحه الحنونة إلى أبناء الشعب الإسرائيلي بطريقة تدعو إلى الاستغراب والاستفهام، هل يا ترى كان ذلك الخروج بمثابة صك الغفران لبقاء السيسي فترة جديدة لرئاسة مصر؟
هل تفصح تلك المغازلة السياسية عن فصل جديد يضمن تطوير العلاقة الغرامية بين مصر العسكر والاحتلال؟ خطب السيسي في خروجه المبارك عن نص الكلمة التي ألقاها مخاطباً الشعب الإسرائيلي، أن قفوا خلف قيادتكم وتمسكوا بها، داعيا الشعوب العربية والعالم أجمع إلى السلام مع إسرائيل والاستفادة من عملية السلام الرائعة بين مصر والكيان الصهيوني، ذلك السلام الذي بات انبطاحاً أكثر منه سلاماً بين طرفي حربٍ لسنين كثيرة ظلت مصر فيها قوة لا يستهان بها.
في كلمة السيسي التي ألقاها غابت مصر فيها كحاضر، وحضرت كتاريخ فرعوني لا يغني المصريين من جوع، غابت كإنسان وحضرت كبيادة عسكرية بحجم يسمح للكثير ارتداءها عند الطلب، غابت كدولة ضاربة في العمق العربي والإسلامي، وحضرت كدرويش يُلقي ما يُمليه عليه شيخه، ليس ذلك فحسب حينما ألقى السيسي كلمته كانت القاعة قد أفرغت من الحضور ولم يتبقى فيها سوى القليل، كانت تلك هي المنزلة التي تبوئها السيسي لمصر، حضرت مصر على لسان السيسي ثمان مرات، وحضرت إسرائيل على لسانه سبع مرات تقاربا ليس بالغريب، فما أحب القلب شيء إلا افصح به اللسان رغما عنه!
أسهب السيسي كعادته في الكلام وهو حقيقة شخصية مهووسة في الميكرفونات، تكلم عن سيمفونية الإرهاب وأسطوانة حقوق الإنسان المشروخة في مصر، تكلم عن تراجيديا النمو الاقتصادي المصري، ففي اللحظة التي كان يتكلم فيها السيسي عن الحقوق والحريات في مصر كانت الحكومة المصرية تدرس سحب الجنسية المصرية من المعارضين لحكمه، وفي اللحظة التي كان يتكلم فيها السيسي عن الاقتصاد المصري كانت فرق الإنقاذ تجلي الضحايا من أحدى القطارات التي ضلت طريقها نحو الموت. اليوم ولأول مرة رأيت السيسي يضحك وبدون خوف، حينما كان بين يدي بن يمين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، واليوم كذلك تأكد لي أن مصر ستبكي كثير بقدر ما ضحك السيسي اليوم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.