ما هو الفارق بين من يختار وهو صادق متأنٍ باذلًا أسباب الصواب، وبين من يختار وهو كاذب متجمل طامع في أشياء أخرى قصيرة مصيرها الزوال والانطفاء؟ |
متى سكت الناس عن الكلام؟! لم يسكتوا يومًا ولن يفعلوا، لذا لا تجعل لسهام ظنونهم فيك تأثير، حياتك هي ملك لك، الله حتمًا سيسألك يومًا عنها فيما أفنيتها، فأخبره أنك أفنيتها في اتجاه يرضيه لا في اتجاه يرضيهم، الناس ليسوا دائما على صواب، لكن إن تجاهلنا آرائهم وتعقيباتهم فقد مِلنا حتمًا عن الصواب، موازنة الأمور هي الشيء الأنفع والأجدر بك إتيانه، خذ منهم كلمةً تهديك لا كلمة تثبطك وتقعدك.
أولئك الذين باستطاعتهم أن ينسلخوا عن ماضيهم بضغطة زر لم يكونوا يومًا صادقين، لقد تحروا الكذب على أقدر ما يكون، كذبًا فاحشًا عميقًا مهد لهم في الأخير السبيل أن ينخلعوا هكذا بسهولة عن أي شيء؛ مستقبلين بكل ترحاب كذبة أخرى وطريقًا مغايرًا، بينما الصادقين يأتون حواضرهم الجديدة في الأخير خُلّصًا من كل شائبة مبرئين من كل ذنب؛ ذلك أنهم غسلوا أوتار قلوبهم بالوجع وعانقوا السماء بفرط التأني واللجوء، الوقت عامل مهم من عوامل تصفية الروح ومنحها قوتها، بينما العجلة والمضي بقوة دفع الآخرين هو أمر فيه من الخطر ما فيه، فتلك اليد الحانية التي تدفعك للأمام لن تقوى على ذلك للأبد، منك وإليك يعود اتجاهك وتقدمك، فدع قوتك تمررك فهي رصيدك ومناط نجاتك، الآخرون يساعدون وهذا شيء جيد، لكن قيامتك على أمرك هي الأساس.
القدر في أوقات كثيرة هو لطف الله بنا، دون حسبان ودون خطط يمنحك الله ما تريد بل أكثر مما تريد، أنت دائما قوي كفاية لتمر إلى حيث تتمنى، هكذا يجب دومًا أن تُتمتم في ذاتك، هكذا دومًا يجب أن تعتقد وتمضي وتعمل، لسنا صادقين على الدوام لكننا نسعى في دروب نعتقد أنها تسير بنا إلى شبه ذلك، عسر الدروب ومبدأها لا يعني أبدًا أنك مخطئ تستحق، بل ربما هو التعجيل الرحيم الذي يعفيك من تأخير قاسٍ، أو ربما هو القربان المبدئي الذي من بعده مائدة السماء، كمن يحجبك خيرًا ضئيلًا تحزن له، ليجزلك في نهاية المطاف بآخر عميم؛ لم يكن ليتهيأ لك لولا ما حُجِب عنك.
لكل منا قصته، لكل منا أفراحه وأتراحه، لا أحد هنا متشابه مع أحد، والله إذا أحب عبدًا ابتلاه، إنه يخلصه من أدرانه وما علق به من جهة، ويقيم آده ويقوي شوكته من جهة أخرى؛ ليكون في الأخير وفي نهاية المطاف مُحصنًا وقادرًا على الاشتباك وإثبات الذات، الواقع يصلينا دومًا من لهيبه ونحن منه صنفان صنف لا يقوى على اللهيب فيذوب وسط الأيام دون شكل أو رسم أو أثر، وصنف آخر يأخذ من اللهيب قوته ليشكل ذاته ملائمًا للواقع وقريبًا أكثر من تحقيق آماله، والاختيار في الأخير لنا!
ابتسامة على مهل خير من أخرى على عجل تتبعثر وتختفي بمجرد انقضاء المظهر والعلن، التأني يأخذك من يدك ليزرعك بين الغيمات بسمة راسخة معانقة للمدى غير خاشية ألبتة من انقطاع أو تبدل، بينما العجلة تُوردك على الأرجح مواضعًا لا تناسبك مواضعًا لم تخترها حقًا بكليتك ، وهذا هو الفارق بين من يختار وهو صادق متأنٍ باذلًا أسباب الصواب، وبين من يختار وهو كاذب متجمل طامع في أشياء أخرى قصيرة مصيرها الزوال والانطفاء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.