شعار قسم مدونات

لماذا فلسطين؟.. من يوميات هرتزل (2)

مدونات - فلسطين

قامت الحركة الصهيونية في أوآخر القرن التاسع عشر على يد مؤسسها هرتزل على أساس إيجاد وطن قومي لليهود في العالم. وتخليصهِم من الذُل والامتهان الذي يعيشونهُ في كلِ أنحاء العالم. ومع أنها فِكرة لاقت استحسان الكل من يهود وممّن أرادوا التخلص منهم، إلا أن اختيار فلسطين كوطن قومي لليهود لم يتبلور في ذهن هرتزل إلا في أواخر مشروعه.

دوافع هرتزل ليست دينية مُطلقة ولا يمكن أن نُسميها كذلك، لأن الرجل أصلاً غير مُتدين ولا يحفظ شيئاً من التوراة، فقبل المؤتمر الصهيوني الأول حفظ بعض العِبارات الدينية بصعوبة قبل ساعات من المؤتمر. لكنهُ يهودي قومي إن أردنا أن نُصنّفه، فلقد حملَ مأساة اليهود من زاوية قومية عرقية فقط. لقد كان يُفضل ويرجّح هرتزل الأرجنتين كوطن لليهود أكثر من فلسطين، لأسباب ذكرها في يومياتهِ:

أولى تلك الأسباب: اختلاف المناخ والتضاريس الذي سيكون عامل سلبي ضد الهجرات اليهودية لفلسطين، فيقول: "هنالك بعض الأمور التي ليست في صالح اختيار فلسطين مثل طقسِها الذي لم نَعد معتادين عليه، وضيق مجال التوسع فيها". وهذا بعكس الأرجنتين التي تشبه أوروبا كثيراً، مما يجعل فترة الاندماج أسرع للمهاجرين اليهود لتسريع إنجاز الدولة.

 هرتزل (مواقع التواصل)
 هرتزل (مواقع التواصل)

السبب الثاني: الذي جعله لا يختار فلسطين هو قربها من أوروبا بعكس الأرجنتين. فيقول :"إذا ذهبنا إلى أمريكا الجنوبية سيكون هذا أفضل، لأنها أبعد عن مشاكل أوروبا العسكرية والسياسة."

السبب الثالث: الصعوبات الكبيرة التي سوف يلقاها من الدولة العثمانية.

السبب الرابع: حساسية المنطقة بالنسبة للدين المسيحي الأمر الذي قد يجعله يصطدم بالبابا مثلاً.

لكن ما هي العوامل والأسباب التي غيرت بوصلة هرتزل نحو فلسطين ولماذا كان إصرارهُ كبيراُ جداً نحوها في آخر أيامه؟ من خلال تحليلي ليوميات هرتزل وجدت أربعة أسباب خمَّرت أنظار هرتزل نحو فلسطين، وتأتي أهميتها لنا في فهم أسباب ودوافع الصراع بالنسبة لهم تجاهنا وهي:

1- الالتقاء مع المصالح الغربية
كنا قد فصّلنا في هذه النقطة في المقال الأول "سر العلاقات الغربية الإسرائيلية.. من يوميات هرتزل"، حيث أن إنشاء دولة ذات طابع حضاري غربي في فلسطين يجعلها تتصادم مع أي دولة قد تخرج تحمل صحوة حضارية في المنطقة تهدد المصالح الغربية. لذلك سوف يدعم الغرب فكرة الدولة اليهودية في فلسطين أكثر من الأرجنتين حفاظا على مصالحه هناك والتي سيحفظها وجود دولة إسرائيل.

وفي ذلك يقول: "إذا أخذنا فلسطين سوف تُشكل جزءاً من استحكمات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة الغربية في مواجهه البربرية، وعلينا كدولة طبيعية أن نبقى على اتصال بكل أوروبا التي سيكون من واجبها أن تضمن وجودنا".

2- قدسية فلسطين في الديانة اليهودية

 كان لأصدقاء هرتزل ومحدثوه وزائروه من الصهاينة دور في إنهاء تردده عن فلسطين. ومنهم النائب اليهودي البريطاني صموئيل مونتاجو الذي قال له: "لو كانت فلسطين فسأرحل أنا وجميع عائلتي"

وما نقصدهُ هنا استغلال العاطفة الدينية لليهود تجاه فلسطين مما يسهل عملية تهجير اليهود الفقراء والفلاحين إلى أرض الميعاد والآباء ويعطي طابع ديني للمشروع، والذي بدوره سيعطي زخماً ونجاح للمشروع. يقول هرتزل في ذلك :"لا يريد اليهود الذهاب للأرجنتين، لكنهم يريدون بقوة الذهاب إلى فلسطين".

3- تحمس بعض رجال الدين المسيحي الانجيليين لتوطين اليهود في فلسطين وتسخير نفوذهم لذلك.
ومن أشهرهم على الإطلاق الإنجليزي الإنجيلي والكاتب وليم هكلر، الذي تبنى الفكرة الصهيونية وحمّس هرتزل على فلسطين ورتب له الوصول للإمبراطور الألماني وصناع القرار في أوروبا.

يقول هرتزل في يومياته: "أراني هكلر الكنز التوراتي وخرائط كبيرة والرسم البياني للتاريخ المقارن وقال لي: لقد هيأنا الأساس لك"، كما أراني أين سيكون معبدنا الجديد، وهو يعتقد أن ذهابنا إلى القدس أمر مهم جداً، إنه يؤمن بتنبؤات العودة.

4- الصهيونيون المتحمسون لفلسطين

ولعلَّ هذا السبب رُبما هو أكثر ما أثّر في رأي هرتزل، فلقد كان لأصدقائهِ ومحدثوه وزائروه من الصهاينة دور في إنهاء تردده عن فلسطين. ومنهم النائب اليهودي البريطاني صموئيل مونتاجو الذي قال له: "لو كانت فلسطين فسأرحل أنا وجميع عائلتي".

والصهيونيون البارزون أمثال جولد سمد، سنجر، آش كشور، الدكتور داربيلا وهو مدير مستشفيات روتشلد حيث زاره قادما من القدس ونقل له تحمس يهود فلسطين للتحرر وإنشاء وطن قومي يهودي. المهندس الكهربائي كريمنزكي الذي زار هرتزل وقدم له مشاريع قنوات ومحطات توليد كهرباء في فلسطين.

هذه أهم أربعة أسباب جعلت هرتزل يسعى نحو فلسطين وتتبلور في رأسه بعد عام 1896، لتبدأ الآن مرحلة جديدة من الصراع بين الحركة الصهيونية والدولة العثمانية المتمثلة بالسلطان عبدالحميد الثاني.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان