لم يبق من هذا الكلام كله إلا فئة نظيفة قليلة في هذا العالم، تفهم معنى الجهاد في سبيل الله أنه عمران وليس خراب، أنه تحرر وليس تقييد، أنه للنفس وللغير |
يعود الطرف الآخر ليسأل مرة أخرى: ماذا عن الذين يخرجون بأنفسهم إلى أي ساحة قتال ليبادروا بهذا الواجب؟ فيجاب من الطرف الآخر على الفور: ليس لأحد ذلك ما لم يعلن ولي أمره النفير العام، فهو أمر دول وليس أمر أفراد، وهو بحاجة إلى معطيات كبرى من التسليح والتحشيد والترتيب وأخذ الأولويات للصالح العام، لو أخذنا هذا القول أيضا بأفضل أبوابه، ستسأل نفسك أيضا: إلى متى ننتظر إعلان النفير الذي يتيقن الجميع أنه بهذه الحالة لن يعلن أبدا!
يعود الطرف الآخر ليسأل مرة ثالثة: ولماذا لو لم يعلن النفير وذهب أحدهم من المتحمسين إلى ساحة جهاد فعلية ظهر للجميع فيها ظلم أهل تلك الناحية، ثم عيب على ذلك الشخص الذي قام بواجبه ولو على المستوى الفردي دون أن يعود بأي ضرر على الناحية التي هو منها أصلا، ولتكون الإعابة فقط بالكلمة، إنما يعاب عليه فعله بالاستدراج والتعذيب والتحقيق وربما الحرمان أو التصفية، لماذا لا يترك لاجتهاده ويتحمل هو فقط مسؤوليته إذا لم يؤثر ذلك على الصالح العام، فسترى إجابة المقابل من النخبة "الأخرى": إن هذا الفعل مقرون بطاعة ولي الأمر الذي يوجب فرضا عيّنا على كل فرد، وهو يؤخذ بأبواب فقهية كثيرة لهم فيها حجتهم.. وعندما يسألهم الأولون، لماذا يعاب على أهل البلد أنفسهم أنهم مجاهدون؟ لا أدري ما ستكون الإجابة ولكن الواضح أن كل طرف في علماء هذه الأمة وسياسييها ونخبها، لهم حجتهم وإجابتهم لكل سؤال تنويه بخصوص هذا الأمر، فالسياسة أصبحت من زمن فوق حكم الدين وليس العكس.
تحرف اسم الجهاد إلى مقاومة وومانعة وغيره، وتحرفت فكرة الجهاد إلى القتل المحض فقط، وخرج مفهوم الجهاد وقصده عن نطاقه النظيف السامي الحر إلى جماعات "إرهابية" لا تعرف حقا ولا توجب قدرا، ولم يبق من هذا الكلام كله إلا فئة نظيفة قليلة في هذا العالم، تفهم معنى الجهاد في سبيل الله أنه عمران وليس خراب، أنه تحرر وليس تقييد، أنه للنفس وللغير، أنه مفهوم سامي وجدار متين ضد كل من أراد أن أن يغلق الحياة الرشيدة الجميلة ضد خلق الله، فاختلس الرويبضة هذه الظروف ليصنعوا من الجهاد بعبعا، وتنينا ليس من الوجود، وخرافة ليست من الحقيقة في شيء، أنه قتل وتعذيب وإرهاب وترويع وحرب فقط، وليس بعد هذا كله إلا مياعة وحضيض وتفاهة وضعف واحتقار لكل الأطراف، فهو سنة تاريخ، وهو متطلب تحرر وإعمار، وهو فرض دين إن فهم كما أراده الله ورسوله، فهذا فرض رحمة لا فرض عذاب، وليس لأحد أن يكون سببا في إسقاطه، لأنه حتى المتشددون في أمر الجهاد في غير هدفه ومقصده يصرخون بأعلى أصواتهم دون وعي: يسقط الجهاد في سبيل الله! اللهم رحمتك نرجو!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.