شعار قسم مدونات

لورنس.. الغريبُ الذي وحّدَ العرب

blogs - لورانس العرب
(أمةٌ عربيةٌ واحدة).. هذا الشعارُ الذي صار تحقيقه اليوم ضرباً من الخيال وطرحه مدعاةً للسخرية هو الشعار الذي كان يتصدر شعارات العرب وخاصة حكوماتهم لمدة تقربُ من القرن أو تزيد، وذلك منذ أن استبدلوا ولاءَهم للدين بولائهم للقومية، فصارت العروبة هي أثمن ما يجمعهم وما يحاربون لأجله، والفضل أكثرهُ في ذلك ربما كان يعود بشكلٍ أو آخرَ للضابط في سلاح الجو البريطاني توماس إدوارد لورانس والذي ﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﺪﻭﺭﻩ الكبير ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﺎﻡ 1916 ﺿﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻧﺨﺮﺍﻃﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ وتعلمه لغتهم وعاداتهم، ﻭالذي ﻋُﺮِﻑ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﺑﻠﻮﺭﻧﺲ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﻭﺻُﻮﺭ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻴﻠﻢ ﺷﻬﻴﺮ ﺣﻤﻞ ﺍﺳﻢ ﻟﻮﺭﻧﺲ ﺍﻟﻌﺮﺏ في ﻋﺎﻡ 1962.

لورنس خبير المتفجرات والشريك القوي والمقرّب للأمير فيصل في قيادة الثورة العربية الكبرى هو الجاسوس الذي وصل منطقة الشرق الأوسط كمنقب آثار بدايةً لينتهي به الأمر الى شخص يجيد لغة العرب بلهجاتهم ويحرّضهم على الثورة ثم يحارب معهم ليس لكونه معنياً فعلا بالقومية العربية وبقضاياهم أو لأن بريطانيا العظمى كانت متعاطفة مع الشعوب وقتها، وأنها كانت تؤمن بحقوقها في الحرية والخلاص أو حقوقها في تقرير مصيرها، بل لتحقيق أهدافها في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً، والتي تمّت فعلا عن طريق اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي قسّمت المنطقة العربية بين بريطانيا وفرنسا ثم عن طريق تطبيق وعد بلفور والذي كان للورنس دور كبير  فيه أيضا، وتم من خلاله إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكل تلك الضرائب التي دفعها العرب كانت في سبيل تحقيق هدفين مهمين وهما الاستقلال والحفاظ على القومية والهوية العربية.

للأمانة كنا قد ألِفنا الأمة التي رسمها لنا لورنس واعتدنا عليها بالرغم من كل ما فيها من عيوب، لأنها كانت تشعرنا بأن العرب من المحيط إلى الخليج فعلاً أخوة مهما كانت مذاهبهم أو طوائفهم، وليس العرب فحسب، بل حتى القوميات الأخرى.

أخلف لورنس وعوده المتعلقة بالاستقلال الكامل مع العرب، وظلوا رغم ذلك محافظين إلى حد بعيد على قوميتهم وهويتهم، أي أننا لم نكن أمة عربية واحدة فعليا، لكننا كنا موحدين داخليا وعاطفيا، وللأمانة كنا قد ألِفنا الأمة التي رسمها لنا لورنس واعتدنا عليها بالرغم من كل ما فيها من عيوب، لأنها كانت تشعرنا بشكل أو آخر بأن العرب من المحيط الى الخليج فعلاً أخوة مهما كانت مذاهبهم أو طوائفهم، وليس العرب فحسب، بل حتى القوميات الأخرى التي تقطن منذ القدم البلاد العربية، وذلك على العكس تماماً مما يجري ونراه اليوم مع أكثر العرب، والذين صار الواحد منهم يوالي الفارسي أو الأعجمي أو الشيطان ضد أخيه ويُشار هنا إلى أن أكثر الذين تخلوا عن شعورهم القومي وباعوا عروبتهم بأبخس الأثمان اليوم هم أكثر من كانوا يدعون امتلاك ذاك الشعور وتقديسهم للعروبة كالناصريين والبعثيين وغيرهم، وممن صدّعوا رؤوسنا بشعارات القومية العربية وأُخوّة العرب وكلام من هذا القبيل.

لعل  الأمةَ التي فقدت جزءاً كبيراً من شعورها القومي اليوم هي بحاجة لجاسوس مثل لورنس يذكي فيها ذلك الشعور ويذكر الناس بعروبتهم ويوحدهم أكثر من حاجتها لزعماء لم تعد تعنيهم القومية ولا الهوية حين شعروا أن الخطر قد اقترب من كراسيهم.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان