تُرى ماذا كان شعور أم موسى حين أتت لتنقذه من فرعون، فوضعته في يم قاده إلى فرعون؟! هل لامت نفسها أم وقفت أمام الحدث واثقة متيقنة في مقدور ربها؟! الإنسان أعقد وأعمق بكثير من أن يتبنى شعورًا واحدًا، حتما تلبسها خوف وقلق عميم، لكن ثقتها بربها ويقينها في موعوده أوقفها منتصبة أمام الحدث دون أن تخر، الحجر يلين وينبجس من بين ظهرانيه من يؤمل في رضيعها ابنًا وقرة عين، إن قوة الله الأوحد ناسجة إرادتها ورحمتها من عين ما تخشاه، فلا تبتئس لليل طال أمده ولا تبتئس لتصاعد الأحداث بك نحو ما لا ترغب، إن انجلاء وانكشاف الكُربات غير ذي عهد بتمهيد، إنه مفاجئ يصيب كبد السماء المدلهمة المظلمة فيحيلها نورًا وإشراقًا، يدلف كبرق خاطف إلى قلوب مسها الضر فينبتها جنات وارفة وأنهرًا وحياة.
الاعتدال على طريق الخير لم يكن أبدًا نُزهة أو جولة عابرة إنه اللظى والجهد، إنه اليقين والإيمان العميق، تتقافز حولك كل المغريات وكل أنواع الإيذاء النفسي، أن تحيد وأن تهجر وأنت حتمًا من تقرر. |
الأحداث تتعالى في تشكيل فريد لتهبط كما أراد الله لها أن تكون، أسباب بلغت ذروتها من التأدية فكافأها الله بعظيم أشيائه، هذا طفل يُستثنى من القتل، نجاة وعمر جديد وظفر بمكانة لم تكن لتُتَخيل، هل أدلكم على من ترضعه لكم؟! هكذا قالت أخته لآل القصر بعد أن رفض -بقدر الله- أن يستأنس بأحد، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ويستريح فؤادها، هكذا وعد الله لا يخلو من خير وخير عميم، رُد موسى على أمه محفوفًا بالحفظ ومؤملاً له بالسؤدد.
إننا لنُقِبل أحيانًا على ما نظن أنه حتفنا ونهاياتنا، لكن الله في الأخير يهدهد الأرض لتنبجس من تحتنا نعماء ورحماتٍ وأشياء عظيمة، البدايات غير مشيرة البتة إلى ما ينتظرنا، تحديقنا في الأشياء وانتظارنا المتباطئ لها ربما يضيف بُعدًا على بُعد أو على الأقل يُصليها عجلة تُردينا الخطأ، لذا لا تنتظر بل اجتهد وأدّ أسباب ما تأمل وفي الجوار الزم حسن الظن بربك واعلم أن لا خسران في الحياة إلا بالابتعاد عنه تعالى، ولا سعادة ولا هناء إلا بقرب منه غير منقطع.
أفطال عليهم الأمد؟! أفدب فيهم اليأس وراحوا يستسلمون لأعراضه فأعرضوا عن يقينهم في ربهم، وزلقت بهم أقدامهم في خُسر التعجل والنظر تحت الأقدام، ألم يعوا بعد أن اختبار الله لا يتوقف لدى زمن بل هو ماضٍ فينا يكافئ كلاً منا على قدر طاقته؟! لو وعوا وتفكروا في مرجع أمرهم وفي أعمارهم القصيرة الفارة بهم نحو الانتهاء ما لبثوا أبدًا في العذاب المهين، عذاب التأميل الكبير على الدنيا، عذاب نوايا الخلود المتبجحة في شتى أفعالهم.
الأمور تبدو شديدة الوطأة تُزلزل أركانك وتهدم ما ابتنى فيك يومًا من إيمان، وأنت صريع منته لا شيء، بينما بالقرب فقط تصير كل الأمور كمثلنا عابرة، لا شيء نتوقف لديه بالعويل ولا شيء نعتبره نهاية الكون. |
الاعتدال على طريق الخير لم يكن أبدًا نُزهة أو جولة عابرة إنه اللظى والجهد، إنه اليقين والإيمان العميق، تتقافز حولك كل المغريات وكل أنواع الإيذاء النفسي، أن تحيد وأن تهجر وأنت حتمًا من تقرر، أتجابه أم تفر، أتتشبث قدماك بأرض صلبة من الإيمان واليقين في موعود الله أم تَهُزك الخطوب وتخر معها هامتك ساقطًا في دنايا الدنيا وأسفها؟ تواضع واعلم حقيقة ذاتك وهوانك؛ جاهل أنت مهما بلغت من علم، ظلوم أنت مهما خُيّل إليك فيك من عدل، لكنك بجوار هذا تمضي وتمضي وتبذل كل ما في وسعك أن تنتفي بعيدًا عن هاتين الصفتين الأزليتين لك، ليس رسمًا على الماء بل هو مراد الله منك على هذه الأرض، أن تجابه طينتك وأن تقاتل في سبيل حوز نورك وإعلائه.
في هذا العالم الضجر القربى من الله لم تعد اختيارًا إنها طوق نجاتك الأوحد، ما لك والبعد؟! إنه شتات سائر فيك يتنازعك آتيًا عليك في اليوم مئة موت، شرود مبين وزيغ أصيل يأخذك من يدك ليضعك في قلب الفتن والزلات، أقل الفتن شأنًا قاصمة لك لا محالة، نفس بالتوازي قلقة مضطربة نازعة بك دومًا نحو الدنيا والتعلق بها.
الأمور تبدو شديدة الوطأة تُزلزل أركانك وتهدم ما ابتنى فيك يومًا من إيمان، وأنت صريع منته لا شيء، بينما بالقرب فقط تصير كل الأمور كمثلنا عابرة، لا شيء نتوقف لديه بالعويل ولا شيء نعتبره نهاية الكون، كل الأمور في حيز القدر متاحة وكل الاختبارات –مهما كانت ضرواتها- في حقنا جائزة، بإيمان عميق نُدرك ماهيتنا في الحياة فننزع بارتياح ورضا نحو ما كُتب لنا دون أن نعترض دون أن نفر، بل نواجه وننفخ في الحوداث إرادات التغيير فإن نجحنا فذاك فضل الله، وإن لم نُحرِز نجاحًا فقد أحرزنا حتمًا محاولة ما أدلفتنا قُربًا مما نريد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.