بدا الشيخ الطيب متوترا فزعا في أول اللقاء وهو يعرب عن خوفه أن يلقى الله تعالى وقد بدأ التمدد الشيعي في عهده كشيخ للأزهر. اقترح الحضور الكرام وسائل وأفكارا وآليات عديدة للتصدي لهذه الظاهرة. كانت تعليقات شيخ الأزهر على الاقتراحات المختلفة مهذبة ومشجعة، لكنه أكد مرارا أن أي اقتراحات ينبغي أن تراعي ضعف إمكانيات الأزهر وقلة أدواته المؤثرة وعدم توفر أي وسائل إعلامية تخصه.
عندما اقترح بعض الحضور الاستفادة من أجواء الحرية التي وفرها الربيع العربي في تقوية مؤسسة الأزهر وإعادة هيكلته حتى يقف سدا منيعا أمام غارات أعداء الأمة، تلقى البعض هذا الكلام بامتعاض أو حرص على تجاوزه. كانت مصر تموج وقتها بآمال عريضة بينما كانت الثورة المضادة -تحت السطح- تحشد رجالها ومواردها. امتد اللقاء لحوالي ثلاث ساعات كانت تشغلني أثناءها قضية أخرى إلى جانب الموضوع الهام الذي كنا بصدده.
كان يشغلني وقتها التعرف عن قرب على فكر وتوجه هذه المؤسسة المهمة من طرف قيادتها، بعد أن خبرت خلال سنوات طويلة أحوال المؤسسة العتيقة من طرف طلابها وخريجيها. لقد تعرفت على مئات من طلاب الأزهر وخريجيه ممن درسوا معي اللغة العربية وتجويد القرآن الكريم وأجزت عشرات منهم في بعض القراءات.
مؤسسة الأزهر الآن في مأزق حاد بين ضعف شديد للقاعدة التعليمية وقيادة تعاني من ضغوط سياسية تصل لحد الاستباحة. لكن ما زال بالأزهر بقايا خير من علماء ربانيين وطلاب علم صادقين. |
كانت غالبية هؤلاء الشباب على درجة عالية من الاهتمام والحرص على طلب العلم، وكان بعضهم يتجشم متاعب كبيرة ليأتي من محافظات أخرى إلى القاهرة ليقرأ ويدرس ويرجع في نفس اليوم. كان الطلاب من كليات عملية وشرعية، لكن المشترك فيهم كان ضعف المستوى العلمي. كان بعض خريجي أصول الدين أو الشريعة مثلا لا يعرفون أبسط قواعد النحو والصرف، بل كانوا يبدون دهشتهم منها برغم أنهم خريجون بتقديرات عالية.
على امتداد أكثر من عشرين سنة كنت ألحظ التدهور المستمر في مستوى تحصيل الطلاب والخريجين، وكنت أراهم ضحايا لمنظومة تعليمية فاشلة مماثلة لمنظومة التعليم العام -غير الأزهري- في تراجعها وانحطاطها. في ذلك اللقاء رأيت بقية صورة مؤسسة الأزهر من طرفها الآخر لتتأكد المخاطر الداهمة عليها.
لقد بدأ التآمر على مؤسسة الأزهر الشريف مع الحملة الفرنسية على مصر، ولا يشق على أي متابع أن يلحظ التسلل ثم التغلغل العلماني في جسد الأزهر من أواسط القرن التاسع عشر حتى وصل إلى قيادات رفيعة في الأزهر في القرن العشرين، لكنه لم يشن هجمته العاصفة على البنية التحتية للأزهر -بالقضاء على طلابه- إلا في عهد عبد الناصر وما بعده.
مؤسسة الأزهر الآن في مأزق حاد بين ضعف شديد للقاعدة التعليمية وقيادة تعاني من ضغوط سياسية تصل لحد الاستباحة. ما زال بالأزهر بقايا خير من علماء ربانيين وطلاب علم نجوا من مقصلة التجهيل بحرصهم الذاتي أو ببركات رعاية وحفاوة آبائهم.
من الواضح أن أعداء الأمة يريدون الآن إطلاق سهامهم الأخيرة للقضاء تماما على الأزهر، بل صرح بعضهم بوقاحة وعلانية باقتراح إغلاق الأزهر لعشر سنوات. إن انهيار هذه المؤسسة لا يسعد إلا أعداء الإسلام مهما كانت أخطاء وخطايا قيادة الأزهر.
إن إنقاذ مؤسسة الأزهر من هذه الغارة التي تريد استئصاله واجب على كل مسلم غيور على دينه، وفي نفس الوقت يتعين أن نوجد بدائل وقنوات موازية تلبي حاجة الأمة في الحفاظ على دينها وتكوين قاعدة علمية بعيدا عن الاستقطاب السياسي ومرارات الماضي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.