شعار قسم مدونات

صنّاع الأمل وبصمة التغيير

blogs - hope
وأنا أسمع نوال الصّوفي المغربيّة تروي قصص اللّاجئين السّوريّين وهم على قوارب الموت، تركتُ ما بيدي وصرت أتخيّل المَشاهد التّي مرّ بها أولئك مّمن حاولت إنقاذهم.

وَقَفت نوال على منصّة صنّاع الأمل (إحدى مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية) تعبّر لنا ببقايا صوتِها المكتوم عن المكالمة الأولى التي وصلتها من قارب قريب من شواطىء صقلية كاد أن يغرق. كان الخيار الأسهل أن تغلق هاتفها وتعود للنّوم، ولكنّها اختارت الخيار الأصعب، والذي ستكون نتيجته "الحياة". منذ تلك اللّحظة أصبحت حياة نوال حبلَ نجاة لعشرات الآلاف، كلّما كاد الموج أن يدفنهم مدّت يدها وأخرجتهم.

ومن ثمّ جاءت الخوذ البيضاء، لتنتشل من تحت الرّكام والقنابل ما تبقّى من أمل وحياة. وقبل شهور ترشّح فيلم وثائقيّ يتحدّث عن معركتهم لجائزة الأوسكار، فصار العالم يتداول قصصهم. بدل أن نسمع قصص الأموات فقط، صرنا نسمع قصص من يقدّمون لنا الحياة من جديد بعون الله.

مع انتهاء فعاليّات صنّاع الأمل، انتعشت في قلبي كتب وأسماء سيقرأها أبنائي ذات يوم عن شخصيّات غيّرت في حياة عشرات الآلاف وبدأت من لا شيء

أمّا العراق الجريح، فهناك من عضّ على جرحه ونظر حوله وبدأ يشدّ همم الشّباب ممّن شرّدتهم الحروب وتركتهم بلا أرض ولا سماء، ليجمعهم هشام الذّهبي تحت سقف الإبداع، فكان بيته بيت الايجابيّة وبناء المواهب وتطوير القدرات لتخريج أفواج من الشّباب العراقيّ الواعد.

أما ماما ماجي المصريّة، وهي ترقب السّنوات تنتشر في شعرها الأبيض، لفّت جسدها بذات اللّون ودخلت كنور شمعة بخفّته إلى زقاق أحياء مصريّة فقيرة، تزرع على باب كلّ منزل بذرة أمل، تقدّم الكتاب والعلم والمعرفة لتفتح أكثر من ٩٢ مركزاً تعليميّاً لمن حرمهم الدّرهم من مقاعد الدّراسة.

تركت معالي العسعسي أناقة دولتها الكويت، وهدوء العيش فيها، لتذهب إلى اليمن وتضرب بعصاها الأرض لتُخرج عشرات آبار مياه للمحتاجين، وتقدم على عشرات الحملات الإغاثيّة. امرأة واحدة، مع فريقها المُلهم، أصبحت بأهميّة "الماء"، فما أهميّتك أنت لغيرك؟ ما الذي قدّمته لمحروم يحتاجك؟

لقد حلّت بنا الحروب، وتآكلت عظامنا، اختار بعضنا البكاء والانهيار، واختار آخرون الصّمود في وجه ذلك التيّار. لا أدري بعد كلّ هذه القصص والنّجاحات الإنسانيّة، كيف سيستمرّ البعض بالشّكوى بدل العمل؟ باللّوم بدل المحاولة؟

الأسماء التي ذكرتها هي مثال لإنسان قبل أن ينام، قرّر أن يغيّر في العالم، ليلتقط عن الأرض فُتات الطّعام، يعجنه من جديد ليقدّمه كرغيف للمُحتاج. ما أسهل الضّعف والاستكانة، ولكن هؤلاء لا يتذكّرهم أحد، لا يتركون في سطور التّاريخ إلّا عار الضّغف والاستسلام، لا يورّثون لأبنائهم إلّا الجُبن والخوف والهرب.

مع انتهاء فعاليّات صنّاع الأمل، انتعشت في قلبي كتب وأسماء سيقرأها أبنائي ذات يوم عن شخصيّات غيّرت في حياة عشرات الآلاف وبدأت من لا شيء، وضعت وقتها وجهدها على كفّتها وأعطت رغم أنّها لا تملك إلا تلك الرّوح المعطاءة المجبولة على فعل الخير.

نريد أن نورّث لمستقبلنا مثل تلك الأسماء، تخلّت عن أنانيّتها ووقفت تبحث عن مكان تترك فيه بصمة في هذا العالم. أسماء كرّست نفسها لأمور تفوقها.

والآن لنفكّر، ماذا ستكون مبادرتنا القادمة؟ ماذا سنقدّم نحن للعالم؟

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان