هناك حالتان، إما أن يُترجم الحب إلى زواج، وهذا توفيق من الله، أن يقع حب بين طرفين متوافقين، ويبارك الزيجة الأهل من الطرفين، وإما أن توجد عقبات تمنع ذلك، إما مشاكل مادية أو رفض أسري، أو خيانة أحد الأطراف وانسحابه، الرجل الذي يقع في هذا الفشل سيتحول من الجرأة إلى التردد، ومن الإقبال إلى الإدبار، ومن الشغف إلى التعادل.
وسيتحول إلى كائن إلكتروني يتعامل مع الأمر بالمعادلات والمنطق، وسيستخدم الزمن لمداواة هذه العثرات، ويتريث بصورة مبالغ فيها ليتفادى ما قد فشل فيه من قبل، أعتقد أن كل من قال إنه أحب فتاة بعد الأولى، ويريد أن يتزوجها، فهو كاذب ومراوغ، وغير صادق في مشاعره.
بصورة ما يُغْلَق القلب عن أي صورة لم تمر على العقل المبرمج، وتمكث فيه مدة لا بأس بها، مدة كافية لرفض معظم الصور، واكتشاف كل عيوبها؛ ليلجأ مرة أخرى للزمن، لا للنسيان، ولكن لانتظار إشارة جديدة، ومُدْخلات أخرى. |
بصورة ما يُغْلَق القلب عن أي صورة لم تمر على العقل المبرمج، وتمكث فيه مدة لا بأس بها، مدة كافية لرفض معظم الصور، واكتشاف كل عيوبها؛ ليلجأ مرة أخرى للزمن، لا للنسيان، ولكن لانتظار إشارة جديدة، ومُدْخلات أخرى والرجال الصادقون فقط هم من يصرون على هذه الطريقة.
وكما غنّى الأستاذ محمد عبد الوهاب "والمبتلى بالحب مهما اتهنّى.. برضه مبتلى"، حتى لو وصل لمحبوبته وتزوجا، أو فشل في ذلك، ففي كليهما هو مبتلى إما بلوعة الفراق أو بنار الإقناع والجدال، وهذه ضريبة تركه لقلبه في مهب رياح الشهوة والنظرة والاختلاط، فقد كسر حاجز الحياء، وتخطى بقلبه مرحلة لم يصل لها عقله بعد، ومع هذه الفجوة يسيء الاختيار.
فيبتلى باختياره طوال عمره، أو يصحو من غفلته لكن الجرح قد كان، والقلب قد تدنّس، أترى جرحاً في الوجه لا يترك أثراً؟! وإن عالجته وجمّلته سيظل الجرح في ذاكرتك، تذكره عندما تمر بمكان ما أو ترى شخصاً ما، أو يمر عليك وقت ما، فمهما حاولت مداواة جراحك، فلن تستطيع محوها من ذاكرتك.. أبداً.
كثيرون يهزأون من فتى تعلق بفتاة أو أحبها، ونتهكم على من يحب الأفلام الرومانسية وروايات الحب القديمة التي تحكي عن العشاق وحديثهم ونتاج حبهم، هل خانوا؟! هل وصلوا؟! ترى تزوجوا أم فشلت كل هذه المحاولات؟
لقد تكلم علماء كثيرون في هذا الأمر، أمر التعلق والحب أو العشق والوصل (ملحق بآخر المقال)، عرفوا أن هذا مرض من أمراض القلب، وإذا أصيب به أحد وجب نصحه والوقوف بجانبه حتى الإقلاع أو الزواج.
لا بد أن نربي شبابنا وبناتنا ونعلمهم الحب وحسن الاختيار وكيفية التعامل، كيف نحمي قلوبنا وسط هذه الشهوات؟ كيف نُغَلِّف قلوب شبابنا ضد الفتن؟ بماذا نحمي قلوب بناتنا من الأهواء تتلاعب بهن كل ليلة؟ قلوب الفتيان والفتيات في مراحل المراهقة إن لم تُملأ بما هو مفيد سيملأها الأقران والأفلام والروايات بما هو تافه.
فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبقَ له إلا صدق اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثاً به، فمتى وفق لذلك، فقد قرع باب التوفيق فليعف وليكتم، ولا يشبب بذكر المحبوب، ولا يفضحه بين الناس ويعرضه للأذى، فإنه يكون ظالماً متعدياً. |
لن أتفلسف وأُصعب الأمر وأدعوكم للاشتراك في نادي كذا وتعلُّم رياضة السباحة أو الباليه المائي، أو الانكفاء على كتب العلم أو التاريخ حتى نُهلك خلايا المخ في المهد، لن أنصحكم بمشاهدة الأفلام الوثائقية أو عالم الحيوان بدلاً من غيرها.. كل ما هو مطلوب أن يعيش كل فتى وفتاة سنَّهما بكل ما تحوي الكلمة من معنى، كل منكم يعلم لو خصَّص لرعيته من وقته اليومي وشاركهم يومهم وأعطاهم الاهتمام (الحقيقي) والاحترام الكافي، فلن يبحث أحد منهم عن اهتمام أو احترام خارجي، لو زِدتم من جُرعات الحب لأسركم سينعكس ذلك بالكلية عليهم وسيكتفون بهذه الجرعات إلى أن تنضج قلوبهم وعقولهم، ويصبحوا مهيئين للحب الناضج .
ألحق بمقالي ما قاله ابن القيم في العشق والحب، وكيف خاطب المحبين بلين حديث " العشق من أمراض القلوب، والمرض يوجِب وُقوعَ الضَّرَرِ فِي الأفعال الصَّادرة عن مَوضِع المرض، ولمَّا كان الأثرُ الْخَاصُّ بِالقلب هو معرفة الله تعالى وطاعته وعبوديته، فإِذا وقع مرض العشق في القلب صار هذا المرض مانِعاً من هذه الآثارِ، واهتزت معرفة العبد بربه وطاعته وعبوديته، ولما كان العشق مرضاً من الأمراض، كان قابلاً للعلاج، فإن كان للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً بالزواج فهو علاجه، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، فدل المحب على علاجين: أصلي وبديل، وأمره بالأصلي: وهو الزواج، والبديل: وهو الصوم.
فإن كان لا يوجد سبيل لوصول العاشق إلى معشوقه كأن تكون المرأة متزوجة من غير العاشق، أو كان العشق بين اثنين لا يمكن زواجهما، فمن علاجه كما يقول ابن القيم: إشعار نفسه اليأس منه، فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت إليه.
إن لم يزل مرض العشق مع اليأس، فينتقل إلى علاج آخر، وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله نوع من الجنون، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس، وروحه متعلقة بالصعود إليها، والدوران معها في فلكها، وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين.
فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء، فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد في الدنيا من تعطل مصالحه وتشتت همِّه وحزن قلبه، ولينظر إلى مفاسد الآخرة من نظر محرم وتعلق بغير الله وإسقاط فرائض وزهد في نوافل، وهي كلها تُفضي إلى خسارة الآخرة، وهي خسارة الأبد. إن لم تقبل نفسه هذا الدواء، فليتذكر قبائح المحبوب، وما يدعوه إلى النفور عنه، فإنه إن طلبها وتأملها، وجدها أضعاف محاسنه التي تدعو إلى محبته".
وأخيراً كما يقول ابن القيم: "فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبقَ له إلا صدق اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثاً به، متضرعاً متذللاً، مستكيناً، فمتى وفق لذلك، فقد قرع باب التوفيق فليعف وليكتم، ولا يشبب بذكر المحبوب، ولا يفضحه بين الناس ويعرضه للأذى، فإنه يكون ظالماً متعدياً".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.