فالناظر إلى التعليم الأزهري وإلى المواد التي يدرسها طالب الأزهر عبر مراحل التعليم المختلفة يدرك أن المنتسب إلى هذه المؤسسة لن يكون كغيره من الطلاب، يدرس علوم الدين والدنيا وينهل من العلم أضعاف ما يأخذ منه طلبة المدارس العادية، نأخذ مقررهم ونضيف عليه دستورنا المحفوظ بحفظ الله تفسيرًا وتجويدًا وتلاوة، وسيرة نبينا الخاتم صلَ الله عليه وسلم وأحاديثه الشريفة دراسةً واقتداءً، وفقه الدين عباداتٍ ومعاملات، وقواعد اللغة نحوًا وصرفًا وبلاغة، فهل نستوي بذلك مع من يأخُذ القشور من بعض ما نتدارسه!
طالب الأزهر الذي كان يقف قديمًا في طابور الصباح ينشد قائلًا؛
"نحن الفتيان بنو الأزهر .. أقسمنا يمينًا لن نُقهر
وكتاب الله بأيدينا .. نفديه اليابس والأخضر
الله أكبر أعطانا .. وبالكتاب أهدانا
وأنار لنا دنيانا .. كالمصباح في الظلم
باسم العاملين في المصانع، والكادحين في المزارع، والمرابطين على الحدود، نرفع علمنا خفاقًا في سماء مصر، إنها عربية إسلامية، وستبقى عربية إسلامية، أيها الزميل الفتيّ، حيي معي هذا العلم!، الله أكبر الله أكبر!"
فماذا حدث لنشيدك أيها الزميل الفتيّ، ماذا حدث لاعتزازك بنفسك وفخرك بانتسابك لمؤسسةٍ عريقة تحمل هم الأمة، لا بأس عليك ما صرت إليه فأنت قادرٌ بحول الله وقوته على التدارك.
لا شك أن جل طلاب التعليم الأزهري في الآونة الأخيرة وأنا من بينهم من ضحايا هذا الإهمال المتغلغل في التعليم الأساسي، وظننا في الله أنه لن يضيعنا وسيُعين أساتذتنا الأكرمين وعلماءنا الأجِلّاء على انتشالنا من هذا القاع الهاوي، بالعلم والعمل معًا. |
لابد للطالب الأزهري أن يعتز بنفسه وانتماءه، تعلَّم فأنت الأجدرُ بالقيادة وأنت الأجدر بالريادة، تعلم فأنت بعلمك صاحِبُ رسالة، وصاحب الرسالة لا يلتفت للملهيات على جوانب الطريق، واعلم أنك ما دخلت الأزهر إلا لأنه الأزهر وإلا فالمدارس حولك كثيرة، ولكن الأزهر هو الأزهر بتاريخه وعلمائه ومنهجه وثوابته.
الأزهر يمرض لكنه لا ولن يموت بإذن الله، وإن من الوقاحة بمكان أن يخرج علينا طلابٌ نُسِبوا للأزهر اسمًا ليشوهوا صورته وينفروا الناس من الدراسة في ربوعه، وما كان ذلك ليمس شعرة من عِزة الأزهر ووقاره ولا يضيره تطاول بعض الغافلين على قيمه وأخلاقه، الطالب الأزهري ليس كغيره وإن كان في الفترة الأخيرة للأسف أسوأ منهم إلا من رحم الله ممن تمسكوا بمنهج الأزهر وثوابته.
لسنا في محمية ذكورية كما يدعي بعض الجهال وكأنهم حُبسوا مدى الحياة بين أسوار المعهد والجامعة!
نعم فينا نماذج سيئة أساءت للأزهر وأساءت لجامعته والمصيبة أن تجد من بين هؤلاء طُلابًا في الكليات الشرعية!، بعد أن تحولت العملية التعليمية إلى عائقٍ لابد من الخلاص منه ليبدأ الطالب حياته بعد حصوله على شهادة تخرجه!، لا وسيلةً لتحصيل العلم كما قال القائل "بلدنا بلد شهادات"!
نحن لسنا منغلقين ولسنا حيوانات يتطاير اللعاب من أفواهنا إن لحظت أعيُننا طيف فتاة عابر، لنا أخواتٌ ولنا أمهات ولنا جيرانٌ ولنا أقارب، وما كانت هذه الدعاية الفارغةُ إلا دعاية أشباه الرجال ممن اتخذوا الجامعة مكانًا للمُفاخرة بالأزياء، والمباهاة بتصفيفات الشعر، والأغلال المتعلقة في أعناقهم كأنهم حيواناتٌ تقاد نحو الحظيرة!، ولا أرى إلا أن الإهمال أدى بنا إلى هذه النماذج المسيئة للأزهر جامعًا وجامعة فلا يصح بأي حالٍ من الأحوال أن تكون سِمة الطالب الأزهري مشابهةً لغيره، فأين الفارق إذًا بيني وبينه، وكيف لمتعلمٍ أن يعمل بغير ما تعلَّم، وقد درسَ في الأزهر حديث رسول الله صل الله عليه وسلم عن حق الطريق، فأين حق الطريق، غض البصر ،وكف الأذى ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإذا كُنت ترى أيها المتحرر اللاهث وراء شهوات عقلك أن انصلاح الحال في تحقيق شهواتك فاغرب عنا، الساحة مليئةٌ بمن هم أجدر بك، أما جامعة الأزهر فلا ينبغي أن ينتسب إليها إلا من عرف قدرها وحمل على عاتقه نشر رسالتها، ولا أرى سبيلًا للإصلاح في هذا الشأن إلا أن يبدأ من الجذور، لا ينبغي معالجة الجسد المريض بقطع رأسه، وإنما برعاية منبته وتطهيره، يجب أن يكون الاهتمام بمراحل التعليم الأساسي الابتدائي والاعدادي والثانوي في أولويات الأزهر الشريف، من شب على شيءٍ شاب عليه، من كُتِب له على السبورة في صباه ونجح على إثرها في شبابه يصعب عليه تغيير المسار، من أُهمل في نشأته أخلاقيًا يصعب عليك تقويمه حين يشِب، من لم يرى في معهده الأزهري قدوةً له لن يقتدي بما يدرِسُه، من لم يرى في الجامعة قدوةً له من أساتذته لن يعمل بما يتعلمُه، وإنما العلمُ قرينُ العمل.
الخلل يأتي من التهاون في مرحلة التعليم الابتدائي والإعدادي على وجه الخصوص، إذا تم التصدي لهذا الأمر سنرى أجيالًا تعيد للأزهر مجده، لن نرى هذه المظاهر المنفرة في الملبس والهيئة والمستوى التعليمي المتردي، ولا شك أن جل طلاب التعليم الأزهري في الآونة الأخيرة وأنا من بينهم من ضحايا هذا الإهمال المتغلغل في التعليم الأساسي، وظننا في الله أنه لن يضيعنا وسيُعين أساتذتنا الأكرمين وعلماءنا الأجِلّاء على انتشالنا من هذا القاع الهاوي، بالعلم والعمل معًا، ليستعيد الأزهر مكانته قولًا وفعلاً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.