بدأ السودانيين عام 2017 بالدخول في عصيان مدني لمقاومة النظام الحاكم وكانت الدعوات لذلك العصيان قد جعلت البشير يعترف ضمنياً بمسئولية نظامه في قتل متظاهرين 2013 حيث طلب من الداعيين للعصيان بالخروج للشارع ومواجهة النظام بدل الجلوس في منازلهم وهو ما لن يحدث لأنهم جربوا عواقب ذلك سابقاً.
وعلى الرغم من أن الشهر الثالث من هذا العام لم ينقضي بعد، إلا أن الساحة السودانية شهدت من الأحداث والتحديات ما يكفي لأعوام قادمة. فبعد العصيان استبشر السودانيين بعدما أصدر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أمراً تنفيذياً يقضي برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم مع بقاء السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب وتأجيل الرفع الكلي لمدة 180 يوماً، العقوبات التي كانت فرضت على السودان منذ نوفمبر 1997 على خلفية وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993. وتم توسيعها في إبريل ثم نوفمبر 2006 على خلفية نزاع دارفور واتهامات جرائم الحرب التي وجهت للنظام السودان.
بعد ذلك وجد السودانيون أنفسهم في مواجه جملة من الأحداث الساخنة المتتالية. من أهم تلك الأحداث قرار الإدارة الأمريكية الجديدة حظر دخول السودانيين مع مواطنين ستة دول إسلامية أخرى إلى البلاد. القرار الذي رغم تعطيله من قبل إحدى المحاكم الفيدرالية ومن المتوقع إعادة صياغته من جديد من قبل البيت الأبيض قريباً، يوضح أن إدارة ترامب خلال فترتها ستتعامل من السودان كعدو وهو ما يضع مسألة رفع العقوبات كلياً على المحك.
سطوة حمدتي وقوته داخل أروقة النظام ظهرت جلياً خلال تحديه لوزير الداخلية وكسر شوكته مما تسبب باستقالة الأخير ومغادرته البلاد. |
أهم اللاعبين في الساحة السودانية هذا العام كان محمد حمدان دقلو الشهير بحمدتي قائد قوات الدعم السريع أو بالجنجويد سابقاً قبل أن يتم استيعابها ضمن جهاز الأمن والمخابرات 2013. حمدتي الذي ظل طوال الأعوام القليلة الماضية من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في السودان خصوصاً بعد تصريحه "أنه وقواته أسياد للبلاد ومن أراد انتقادهم عليه بتشكيل قوات عسكرية ومواجهتهم في الميدان". تصريحات حمدتي تمر بدون حساب أو مساءلة مما جعل عديد من السودانيين يطلقون عليه لقب "الرئيس حمدتي". حمدتي وقواته كان لهم سبب مباشر في مسألة رفع العقوبات الأمريكية جزئياً عن السودان بعد أن قامت قواته بالسيطرة على المناطق الحدودية في شمال غرب السودان التي تعتبر ممراً للمهاجرين غير الشرعيين بإتجاه ليبيا ومنها إلى أوروبا، هذا الدور الذي قامت به قوات حمدتي تم مباركته من قبل عدة دول غربية أعربت عن ارتياحها لتعاون النظام السوداني.
سطوة حمدتي وقوته داخل أروقة النظام ظهرت جلياً خلال تحديه لوزير الداخلية وكسر شوكته مما تسبب باستقالة الأخير ومغادرته البلاد. تعود جذور الخلاف عندما تقدم وزير الداخلية الفريق عصمت عبد الرحمن بطلب للبرلمان لتدخل القوات المسلحة لفرض سيادة الدولة على منطقة جبل عامر في ولاية شمال دارفور. هذه المنطقة الغنية بمناجم ذهب وتعتبر مسرح لصراعات مسلحة منذ عام 2013 تقع حالياً تحت سيطرة مليشيات مسلحة تضم بحسب تصريح الفريق عصمت ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مقاتل أجنبي.هذه المليشيات دخلت في صراع مع قوات الشرطة بحسب تصريح الوزير للبرلمان "الشرطة حاولت الدخول للمنطقة وحدثت مواجهة وخسرنا أرواحاً وعربات".
لكن الرد على الوزير والبرلمان جاء قاسياً من حمدتي الذي كذب تصريح الوزير ونفى وجود مسلحين أجانب وادعى أن المنطقة لا تعاني من أي نزاع يتطلب تدخل الجيش. رد حمدتي تسبب في امتعاض وزير الداخلية وتقديمه استقالته وهو الذي كان قد انتقد الرئيس سابقاً عندما خصصت ميزانية هذا العام لقوات الدعم السريع ميزانية تعادل نصف الميزانية المخصصة لوزارة الداخلية ككل.
أيضاً شهد هذا العام عودة اسمين مثيرين للجدل للساحة من جديد. الأول الصحفي الطيب مصطفى -خال الرئيس البشير- وقائد حملات الانفصال عقب اتفاقية السلام الشامل مع الجنوب. أما الثاني فكان الجهادي الداعم لداعش محمد علي الجزولي. الإثنان اتفقا على قيادة حملة شعواء ضد الصحفية بجريدة التيار شمائل النور التي كانت قد نشرت مقالاً تنتقد فيه مظاهر التدين المزيفة التي يتبناها النظام الحاكم في السودان. وعلى تبعية ذلك تم إهدار دم الصحفية والمطالبة بتطبيق حد الردة عليها من خلال منبر مصطفى الصحفي ومنبر الجزولي الدعوي.
إحدى القضايا التي شغلت الشارع السوداني لأسابيع كانت قضية شتلات النخيل المريضة التي استوردتها شركة إماراتية تسمى "أمطار" بغرض زراعتها في الولاية الشمالية. وبعد أن أظهرت نتيجة الفحص المعملي عدم صلاحية الشتلات للزراعة تدخلت جهات عليا وأوقفت عملية الإبادة وطلبت إعادة تحليل العينات. التحاليل الجديدة أكدت سلامة الشتلات وبعد شد وجذب بين وزارة الزراعة وتلك الجهات العليا تم أخيراً إعدام 20 ألف شتلة رغم أن العدد المقدر كان 200 ألف.
بعد دخول الدكتور "مضوي إبراهيم" في إضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله من غير تهمة قام جهاز الأمن بفتح بلاغ "محاولة انتحار" ضد الدكتور لثنيه عن الاستمرار في إضرابه عن الطعام. |
وأخيراً كان للرئيس البشير حصته من أحداث العام الجديد. للتذكير البشير وحزبه كانا قد صرحا بعد فوزه في انتخابات 2010 أنه لن يترشح للرئاسة في 2015 وهو مالم يحدث. وبعد فوزه في 2015 عاد البشير وأكد أن لا نية له بالترشح في انتخابات 2020 رغم أنه دستورياً لا يستطيع الترشح في الأساس. لكن في الأسابيع الأخير ازدادت تصريحات البشير عن مسألة عدم ترشحه وأشارته لعدم دستورية ذلك مما جعل نواب البرلمان يلتقطون الإشارة وبدأ بعضهم في إطلاق دعوات لتعديل الدستور بحيث يتمكن البشير من الترشح.
أيضاُ شهدت زيارة البشير الأخيرة للإمارات حفاوة واستقبال غير معهود رغم أن البشير ومنذ انضمام السودان لعملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن، أصبح زائر دائم لكل من السعودية والإمارات مما جعل السودانيين يتندرون بالقول أن الرئيس أصبح مقيماً في الخليج وزائراً للسودان. سبب هذه الحفاوة انكشف بعد أن خرجت الأخبار التي تتحدث عن إرسال السودان لعدد إضافي من القوات لليمن بعضها من قوات حمدتي. كل ذلك يحدث في غياب تام للبرلمان الذي لم يستشار حتى عندما قررت الحكومة إرسال قوات لأول مرة قبل عامين.
نختم هذه التدوينة ببعض الكوميديا السوداء عن قيام جهاز الأمن والمخابرات باعتقال مضوي إبراهيم، الناشط الحقوقي والأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم. ورغم أن اعتقال النشطاء والسياسيين في السودان أصبح شيئاً مألوفاً ومعتاداً، إلا أن جهاز الأمن قد قام بسابقة لا مثيل لها هذه المرة. فبعد دخول الدكتور في إضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله من غير تهمة قام جهاز الأمن بفتح بلاغ "محاولة انتحار" ضد الدكتور لثنيه عن الاستمرار في إضرابه عن الطعام.
نتمنى أن يكون المتبقي من العام برداً وسلاماً على السودان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.