جيلُ جديد يحمل بزهر عمره ما لم يحمله الستينيون من قهر وألم وظلم ومعاناة، عاشوا أصعب مراحل العيش وخاضوا أشد الظروف، سقط مستقبلهم في كروش الساسة والاجتماعات الباهتة، ضاعت أحلامهم مع ضياع القضية، كانوا في مقتبل أعمارهم يحلمون في تحرير القدس والجلوس على بحر المجدل أصبحوا يحلمون في قوت يومهم المعدوم، يّنظرهم المسؤولين دون احساس ويزرعون في قلوبهم الكبد دون رحمة..
قسوة ما بعدها قسوة، ظلم ما بعده ظلم، يعانيه الشباب في غزة من حصار خارجي وداخلي، شخصي واجتماعي، نفسي وجسدي، فقدوا به أعز أوقاتهم وأجمل فرصهم وأزهى تطلعاتهم وهم ينظرون إلى عنصرية الاختيار التي سادت قهرا على الجميع وعمت فسادا في المجتمع وجعلت من الأبرياء وحوش ومن الوحوش مدراء وموظفين في أماكن قيمة لامعة دون علم ولا عمل من خلال فيتامين غريب يصيب ضمير المسؤولين يسموه الغلابة "واسطه" ويسميه المترفين "لمن يستحق" والعلم عند الله أننا نعيش حياة أشد وصفا من الغابة، لا نعلم بها الخلاص والنهاية لكن نرى كل شيء يموت ببطء!
من معجزات هذا الزمن هو ثبات أهل غزة رغم كل هذه الصعوبات في وجه ثلاثة حروب قاسية لا يتصور شدتها العقل، مرت على صدور المجابهين المحاربين المتروكين دون مستقبل وما كان منهم إلا الصمود |
غابت المسؤولية الاجتماعية وحضرت نفوس الهوى والمصلحة الشخصية وتفاقمت الجراح متللة على كل مرحلة جرح يزيد ولم يبقى للشباب شيئا سوى فتيت من الحياة يردون عيشه على قدر اللحظة في طموح عالي وأمل ليس ببسيط يستعجب منهم الشاهد من أين لهم هذا، من معيشة الدّنك أم من حياة العقم التي خلفت منهم 100 ألف مُدمن مغيبون عن المستقبل وكومت آلاف الخريجين ينتظرون البطالة للعيش بينما آلاف المهاجرين يعتقدون أنهم نجوا بما استطاعوا وآلاف الشهداء تركوا خلفهم أمهات وزوجات وآلاف المصابين يعيشون دون حياة !
حقيقة حياة لا يقدر عليها سوى محارب اكتسب الصبر في عتم الجبال وعطش الصحاري وخوف الوديان، هذا فقط ليعيش في غزة، أعداد هائلة أصابها الإحباط لا يحتمل ذلك أصحاب "التفكير المحدود" الذين ضجروا التنفس في انعدام الأفق وفروا إلى التضحية بأرواحهم كالذين لا يريدون الاستسلام للأسر تفضيلا على هذا العيش المميت فقتلوا أنفسهم دون تردد بالنار والسقوط !
أعتقد أن من معجزات هذا الزمن هو ثبات أهل غزة رغم كل هذه الصعوبات في وجه ثلاثة حروب قاسية لا يتصور شدتها العقل، مرت على صدور المجابهين المحاربين المتروكين دون مستقبل "الشباب الذين فقدوا ملذة أعمارهم" وما كان منهم إلا الصمود والصمود وقد قدموا خلالهما نموذجا رائعا في التكاثف وإدارة الأزمات من حفظ الجبهة الداخلية والتأمين والأعمال التطوعية في الإسعاف والدفاع المدني والإعلام وعلى الشق الأخر في صفوف المقاومة واثبات بسالتهم في مقارعة جيش يمتلك ما يمتلك من العدة والعتاد وقد شهد لأفعالهم العدو قبل الصديق!
أفلا يستحق هؤلاء الصامدون إعادة النظر وتهيئة الحياة إلى مستقبلهم واستخدامهم بالمعنى التي يخدم بلدهم وعدم السماح للصيد بهم من الثعالب والذئاب !أعتقد أن هذا كافي حتى أوصل رسالتي لكل مسؤول ينام في زهد موقعه دون إحساس ولكل قائد جعل من حاشيته جيشا من الخدمة له ولكل وزير همه مستقبل أحفاده أن عيونكم تنام وعيون المظلومين "الشباب" تبكي قهرا إلى الله منكم فهل تحتملون ذنبهم بعد أن قطفتم زهرهم وأكلتم ثمرهم !
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.