شعار قسم مدونات

معضلة السجين

blogs - bus

لنفترض بأنك تركب وسيلة مواصلات عامة، أجرتها جنيه واحد، وليس هنالك شخص معين لجمع الأجرة من الركاب، بل فقط صندوق أو ما شابه، يقتضي عليك بعد صعودك أن تضع فيه ثمن رحلتك.. لا كاميرات تصورك، لا أناس يتأكدون من مصداقيتك.. لا شيء سوى رقابتك لنفسك.. ما هي الاحتمالات اللي قد تحدث في هذا الموقف؟
 

1- قد يفكر الراكب في مصلحته الشخصية، ما هو الأنسب له إذًا؟ أن يركب بدون أن يدفع، وذلك يضمن له أن لا خسارة في ماله، وهو الحل الأمثل والمنطقي بالنسبة له "كفرد". ولكن بعد فترة ستتوقف هذه الوسيلة، لأنها لن تجد مصاريف تشغيلها، فمصاريف التشغيل تعتمد بشكل شبه كلي على أجرة الركاب وبالتالي تنقطع خدمتها بانقطاع مصدر النقود. وسوف يضطرك هذا لحل بديل، وهو أن تركب "التاكسي"، وبالطبع سيكلفك أكثر بكثير مما كنت ستدفعه مسبقاً.
 

2- أن يلتزم الراكب بدفع أجرته، ولكن هل هو الحل الأمثل له "كفرد"؟ بالطبع لا، فهو يمثل خسارة نسبية له مالياً. ولكن بمنظور أعمق وأعم، سوف تتواصل الخدمة المقدمة ولن تنقطع، نظراً لتوافر الإمدادات اللازمة المتمثلة في أجرة الركاب.

حسنًا، ذلك يدفعنا نحو فكرة أخرى ومعضلة فلسفية تسمى "معضلة الشيوع" أو "معضلة السجين".. ونحن لسنا بصدد تعريفها علمياً، ولكن لدراسة الإسقاط.

الدين، ودوره في تلك المواقف، يعد الحل الأمثل لهذه المعضلة، فهو يفرض على الشخص الالتزام الذاتي، لأنه لا يصح في الشريعة إلا الصحيح المطلق أولاً، ولحقيقة وجود الله العليم القدير ثانياً.

والحل الأمثل لمعضلة الشيوع يكمن في ارتضاء كل الأطراف بتحمل جزء من الخسارة حتى تستمر الخدمة، بدلاً من أن يبحث كل منهم على ما يرتأى بأنه الأنسب له بالمطلق دون النظر لمن يشاركهم، وما يترتب بالتبعية على ذلك أن تنقطع الخدمة، ويتضرر الشخص بشكل أكبر مما كان مخطط، فيبذل من ماله أو مجهوداته أكثر مما كان سيبذل إن التزم أول الأمر.
 

ولكن ذلك يفتح علينا مجالاً للمساءلة المشروعة، وما الذي يضمن لي أن يلتزم الجميع كما ألتزم؟ كيف أضمن ألا يراوغ أحدهم وينفلت من الدفع؟ كيف أضمن بأن يتمسك الجميع بالخيار الأخلاقي؟ وللإجابة على ذلك، يقابلنا ثلاثة احتمالات لا غير!
 

1- الحل الأول يكمن في فرض الإلزام بالقوة، وذلك ما يتبعه الجميع في عالمنا المادي، ولكن هل هو فعلاً الخيار الأمثل؟ هل يضمن فعلاً أن يلتزم الجميع؟ ماذا إن فكر أحدهم خارج الصندوق ووضع غطاء يشبه العملة المعدنية، هل للقوة هنا استطاعة أن توقف هذه الحالات من الغش؟
 

2- الحل الثاني يقتضي أن أترك الناس لضمائرهم، ولكن… من يضمن لي أن ضمائر الجميع مستيقظة؟ ونفترض نجاح الحل في أماكن بعينها لطبيعة أهلها، هل لو تم تعميمه بالمطلق سينجح في كل الأماكن؟ بالطبع لا، فالثقافات متغيرة ونسبية، من يرتضى ألا يسرق هنا لن يفعل مثله من هناك.

ما رأيك بأن هذا الفعل قد يعتبر مباح عن البعض؟ فمقياس الأخلاق عند بعض "أحبتنا" مرتبط بالعلم والتجربة، لا ينفصلان، إن كان هذا الفعل مضر علمياً، فهو سيئ، وإن لم يكن، فهو متروك لرغبة الشخص أن يفعله أو لا يفعله.. حسنًا.. كيف لك أن تقيس تأثير الكذب تجريبياً وطبياً؟ هل يختلف اثنان أن الكذب مذموم؟ بالطبع لا.

ولكن بمقياس هؤلاء الأحبة، فسوء الكذب نسبي، لأنه غير مضر علمياً أو طبياً، وبالتالي الحكم عليه سواء بالاستحباب أو النفور هو متروك لعادات المجتمع وتقاليده.. وبالله إنه لخرقُ بيّن في الفطرة.
 

3- الاختيار الذى يتنصل منه الجميع، لأنه لا يتوافق مع الفكر المادي البحت المعاصر.. هو "الضابط الذاتي" الضمير المراقب بقوة أكبر منك بكثير، لن تقدر على الانفلات مهما كان، فأفكارك كما نواياك.. فما بال أفعالك؟
 

فكرة الدين، ودوره في تلك المواقف، يعد الحل الأمثل لهذه المعضلة، فهو يفرض على الشخص الالتزام الذاتي، لأنه لا يصح في الشريعة إلا الصحيح المطلق أولاً، ولحقيقة وجود الله العليم القدير ثانياً، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
 

فكر في الحل الأمثل بحيادية تامة، واستعرض أراء "الأحبة" في هذا الشأن، ولتكن سهرة ممتعة وأنت تشاهد.. حيث الحلول اللاحل بها، والآراء الغير منطقية، والتبرير الأعمى.. والتعصب المتطرف، فكن حيث تقودك فطرتك.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان