فكم منّا يتمنى أن يصبح العالم كلّه مسلمًا، وكم من المسيحيين يتمنى أن تعمّ المسيحية الأرض كلّها لأنّ ذلك يولّد رضا داخليا، فشعور القوة يجعلك تستشعر بأنّك على حق دائمًا، والأمة التي تسيطر على العالم.. بالتأكيد سيطمئن أبناؤها. لذلك جدير بنا أن نقف عند هذا الحد وندرك أنّ الخلاف ديني بحت منذ الأزلية وسيستمر.. وكل ما يقوم به الغرب منذ "سايس بيكو" وحتى الآن ما هو إلا تفتيت واضح للأمة كي لا تقوم لها قائمة وتمتلك مشارق الأرض ومغاربها من جديد.
هناك الكثير من الأشياء اللازمة لعودة صعود الأمة الإسلامية، بل تكوينها في البداية، لأنّها لم تعد موجودة أصلًا مهما حاولنا أسلمة أنفسنا وأماكن تواجدنا. |
قسّم الأوربيون الوطن الإسلامي "العربي" كي يلجموا أيّ محاولة للتوحد والقوة وخوفًا من عودة الإسلام لأنّهم يعرفون أنّ عودة الإسلام تعني بشكل أو بأخر.. تراجعهم. إذن هناك خلل ما خارجي، وأيضًا وحتى لا نلقي اللوم على العالم الآخر فهنالك خلل داخلي واضح، فالناس لم تعد تعرف ما هو الإسلام الحقيقي وأصبحوا يَدْعُون له وهم متوجسون من سيطرته يومًا ما لأسباب كثيرة، من ضمنها إقامة حدود الله، ذلك الهاجس الذي يقتل كثيرين ما إن عاد الإسلام بقوّته، وهنا تبرز مشكلة كبيرة جدًّا وهي عدم فهم الناس للدين الصحيح وللإسلام الحقيقي الخالي من الحزبية والهوى.
إنّ المرات التي طُبّقت فيها الحدود هي مرات تعد على أصابع اليد في عهد الرسول والصحابة كون الأمر ليس سهلًا البتة، فهو معقّد جدًّا ويحتاج لوقت طويل جدًّا من الشرح. المهم أنّ الإسلام هو جوهر الحضارات وسيّدها وهو الأول والآخر.. المكتمل دائمًا. إذن يُطرح هنا سؤال مهم.. كيف نحل مشكلة التوجس من تطبيق الإسلام! الأمر بسيط ولعلّ الحلّ قريب لكننا لا نراه لأننا لم نتعود أن نرى بل تعودنا على السمع فقط. سيكون الأمر مختلفًا لو نظرنا في السيرة النبوية وفي منهاج الإسلام الصحيح لا في المنهاج الإسلامي السياسي المنتشر هذه الأيام. والمشكلة العظمى أنّ علماء الأمة طيلة الفترات الماضية لم يُظْهِروا الصورة الصحيحة للإسلام رغم كلّ اجتهاداتهم لأنّ الطريقة التي يجب توعية الناس فيها يجب أن تختلف بالكلية، فلقد تحول الإسلام في عقول الناس إلى أمر ونهي.. حرام وحلال.. وتعطيل كامل للعقل وتبعيه كاملة، وهذه الصورة خاطئة للغاية، فالإسلام هو أكثر دين أعزّ الإنسان وكرّمه وجعله يشعر برضا كبير على المستوى الروحي والجسدي. إذن هناك مشكلة أخرى هي العلماء!
هنا المسألة تختلف كثيرًا عن سابقاتها فكي تبيع سلعة معينة تحتاج إلى ترويج والترويج يحتاج إلى متخصص تسويق والمتخصص يجب أن يكون ذكيًّا ومتفتحًا على الدنيا كي يستطيع الترويج بشكل صحيح وإغراء المشتري للإقبال والشراء منه. والمسألة متشابهة مع اختلاف الموضوع، لكنّ الترويج هو الحلقة المفقودة.. كيف أقنع الناس بشكل صحيح يجعلهم يتقبلون في البداية قيام الإسلام من جديد ومسح تلك الصورة الدموية المتكونة عند العرب قبل الغرب عن الدين الإسلامي.
هذه المشكلة تحتاج لعدة أشياء كي يتم معالجتها ولعلّ أبرز هذه الأشياء هي "تجديد الخطاب الديني" وهو الأمر الذي سبّب فجوة واضحة بين الدين والناس، فرتابة الخطاب الديني أدت إلى رقوده ورقوده أدى إلى انهياره واستحالة إقامته لذلك.. إنّ الحل الجوهري لهذه القضية هو تجديد الخطاب الديني الذي صار مكررًا ومعروفًا وغير مواكب للحاضر وللتطورات والعالم.
لكنّ التجديد في الخطاب يعني الخطر، يعني المحاربة من أناس متجمدين تكوّن الإسلام في نظرهم مقتصرًا على خمس صلوات في اليوم، لكنّ الأمر أعمق وأكبر من ذلك، لأنّ الإسلام ليس صلاة وحسب.. يتميز التجديد في أنّه سيناسب الجميع رغم ما سيحيطه من مخاطر وسيكون فيه عبء كبير على العالم الذي لا يقتنع إلا بالتجديد ويسعى إليه. إذن هناك الكثير من الأشياء اللازمة لعودة صعود الأمة الإسلامية، بل تكوينها في البداية، لأنّها لم تعد موجودة أصلًا مهما حاولنا أسلمة أنفسنا وأماكن تواجدنا، فالأمر يحتاج للكثير، ولكنّ هذا الكثير هو قليل جدًّا ويقتصر على استخدام العقل فقط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.