مخطئ من يظن أن مشاعر الناس يمكن العَبثُ بها كما يشاء. اختلاف مزاجك شيء يخصك أنت وحدك وليس للآخرين أن يشاركوك تقلباتك المزاجية، فلكلٍ منا ما يشغل تفكيره وعنده من المشاكل والهموم ما يكفيه. فكم من إنسان يرسم ابتسامته على وجهه صباح مساء ويملك من الهم ما لا يحتمله الآخرون!
البعض يعيش حالة من الفوضى المزاجية يصعب عليك أن تفسر الكثير من تصرفاته أو حتى طريقة تفكيره أو أسلوب حياته، يتقلب بين صديق حميم ثم إلى عدوٍ لدود، يتغير بين ليلة وضحاها، يخدع عينيه بالسراب الذي يخلقه من صحراء خياله المقفرة، ليس فيها لا شجر ولا حجر، لا يملك مشاعر تقرب إحساسه بالآخرين. يحمل في نفسه أكاذيبا من نسج الخيال صنعتها نفسه الأنانية أو غيرته المفرطة، وحب التملك الذي يعيشه كطفل صغير بين أحضان أمه، لكنه الآن رجل كبير بعقل صغير يعيش أحلام العصافير.
للتقلبات المزاجية حالة من الهبوط والارتفاع تسخن تارة وتبرد تارة، وسرعان ما يتحول الهدوء إلى عاصفة هوجاء، حتى المتنبئون والخبراء يصعب عليهم أن يتنبؤوا بوقتها واتجاهها ونتائجها. هي باختصار انفصام يعيشه الإنسان بين وساوس الشيطان وصراع الذات، تكون نتائجه أن يخسر الإنسانُ كل من حوله، فلا يوجد مخلوق يحب أن يعيش في مثل هذا الجو العَكِر الذي يصعب التكيف معه.
الأنانية وحب الذات المصاحبة للتملك لا يمكن السكوت عنها، لا أعتقد أن الشخص الأناني يستحق أن يكون صديقاً وفياً. فمن يُبدِّي نفسه على الآخرين دائماً سيترك الصداقة عندما تنتهي مصلحته |
إن الاستمرار في صداقة مثل هذه الشخصيات يعتمد بشكل كبير على قدرة الآخر على تحمل صاحب الشخصية المتقلبة ومطاوعته وتجاهل الاختلافات في وجهات النظر، أو السكوت على مضض عن كل ما يعكر صفو مزاج ذلك الشخص. كما أنه من الصعب جداً أن يمتنع الآخر عن كثير من الأفعال والأقوال حتى لا تؤثر على الحالة العصبية للشخص المزاجي. المزاجي يمكن أن يكون حساساً جداً وسريع الغضب، وبنفس الوقت هو طيب القلب ومتعاون لكن عندما تختلط الأمور لا تعلم مع من تتعامل، وهنا تكمن المشكلة. يبقى الشخص المزاجي يمكن التعامل معه إلى حد معين، لكن من الصعب عليك أن تُكمل معه الطريق إذا كان مُبتلى بالصفات التالية:
حب التملك والغيرة عند صاحب المزاج المتقلب يزيد من صعوبة الاستمرار في الصداقة، تجعله يخسر كل من حوله من الأصدقاء، فكل واحد منا يحتاج إلى أن يتحرر من القيود ويعيش حياته بطريقته الخاصة لا كما يريدها الآخرون. كل منا يحتاج لمساحة من الخصوصية ووقت يجلس فيه مع نفسه وأمور لا يحتاج أن يشاركهُ فيها أحد، يحتاج أن يكون مع نفسه فقط. كما أن الغيرة عند صاحب المزاج المتقلب تزيد من الانفعال والتوتر، كأن يشعر الشخص بالغيرة لمجرد أن يذهب الصديق مع صديق آخر لتمضية وقت أو ربما لقضاء حاجة. في الحقيقة، لا يحق لأحد أن يتدخل في شؤون الآخرين الخاصة حتى لو كانت باسم الصداقة.
الأنانية وحب الذات المصاحبة للتملك لا يمكن السكوت عنها، لا أعتقد أن الشخص الأناني يستحق أن يكون صديقاً وفياً. فمن يُبدِّي نفسه على الآخرين دائماً سيترك الصداقة عندما تنتهي مصلحته. بالإضافة إلى أن من يصاحب الشخص الأناني سيكون خاسراً في كل الأحوال. فما يحمله من مشاعر تدور حول نفسه فقط، يحزن على نفسه ويفرح لنفسه، يعمل لنفسه ويكترث لنفسه، يريد من الجميع الاهتمام به ولا يهتم بأمر أحد، يريد أن يأخذ أكثر مما يعطي، وهكذا تدور علاقاته حول نفسه.
الصداقة تبنى وتزدهر بالثقة، فإن وجدت الثقة وجدت الصداقة، وإن نزعت الثقة تهتز قواعد الصداقة فما تلبث أن تنهار، لكن إن حل مكانها الكذب والخداع ونُزعت الثقة فلا أعتقد أن الصداقة يمكن أن تدوم إلا أن تكون مصلحة مؤقتة بين طرفين. الكذب حبله قصير، لكن البعض يلجأ للكذب ظناً منه أنه بذلك يحمي نفسه من الحسد، يعتقد البعض أن صديقه سوف يحسده فيلجأ للكذب المقصود والمتكرر. إن انتشار الأفكار الخاطئة توقع الكثيرين في مغالطات تفسد عليهم حياتهم، فشعار البعض "حافظوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" فيقع في التخوين وقلة الإيمان بالله.
غالباً من يغضب بسرعة، يشتم بسرعة، إلا إذا تحلى بالأخلاق العالية والأدب الذي يكبح جماح نفسه. الشتم من الصفات التي لا يقبلها مسلم ولا يجب أن تكون على ألسنتنا، كما أن من يتكلم عن الآخرين في غيابهم لا يُستبعد أن يتكلم عنك في غيبتك. كما أن الإنسان يجب عليه أن يهتم بنظافة قلبه كما يهتم بنظافة ملبسه.
وهو زيادة الحد في الكذب والعدوان على الخصم، وهي خصلة من خصال المنافق، فما أن تحصل بينك وبينه مشكلة حتى يتحول من صديق حميم إلى عدو لدود، فيتفنن في المخاصمة والعداء ويحمل الأمور ما لا تحتمل.
لابد وأنني أتكلم عن شيئين مهمين؛ الصداقة بشكل عام والشخصية المزاجية، وأحاول أن أفهم العلاقة التي تُبنى بينهم من جانب وبين مدى قدرة الإنسان على التعاطي مع مثل هذه الحالات المربكة والمؤثرة في علاقاتنا الاجتماعية من جانب آخر. هناك في مكان ما في هذا العالم من عاش هذه التجربة وهناك من يعيشها الآن ويعاني من تشويش كبير بين أن يكون صديقاً مخلصاً تارة وأن يبحث عن استقلالية نفسه تارة أخرى. وفي النهاية، لابد لنا أن نبحث عن الصديق الصدوق المخلص، صاحب الخُلق الطيب، والقلب الصافي، واللسان الجميل، الصديق الذي يؤثرك على نفسه فيكرمك ويحسن إليك من غير مِنَّةٍ ولا تكبر، فالفضل كله لله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.