في فصل دراسي، حيث يفترض أن تعلم أجيال، وأن ترى مشهدا مُرضيا عن التحصيل الدراسي، ترى تلميذا يهجم على أستاذه، ويضربه بوحشية، وهذا الوصف للأسف هو ما يلخص ما قام به تلميذ مغربي في المرحلة الثانوية ضد أستاذه، ونقله مقطع فيديو على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
خلف هذا الفعل المدان، والذي يدخل بشكل مباشر ضمن الفعل الجنائي، كانت هناك شهادات التلاميذ الذين حضروا الواقعة، وتحدثوا فيها عن عنف لفظي وجسدي مارسه أولا الأستاذ على التلميذ، حسب تصريحاتهم. لكن هل يبرر هذا العنف؟ متى كان حلا؟ أيضا لما ارتبط التعليم بالعنف؟ وهنا لا أتكلم عن الحزم فليس هذا من ذاك، وأتحدث عن الصورة الذهنية عن المدرسة، قديمها الذي ارتبط بعصا الزيتون و"التيو"، وحديثها الذي ارتبط بالعنف المعنوي والجسدي المزدوج، أي المتبادل بين تلاميذ وأساتذة، وأحدّه (حسب الحالة أمامنا) الممارس من تلاميذ ضد أساتذة.
وهنا لا بد من البحث الوسط التربوي والتعليمي (وللمفارقة فإن التربية تسبق التعليم في اسم الوزارة الوصية على القطاع في المغرب) لكن دون معزل عن الوسط العام للبلاد. حسب آخر مذكرة للبنك الدولي، عن الأداء الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، يحتل التلاميذ على مستوى القراءة الرتبة الأخيرة على الصعيد العالمي، وتقول وزارة التعليم في البلاد، إن ثلاثة من أصل أربعة تلاميذ في مستوى الرابع ابتدائي لا يستطيعون الكتابة، ويتمكنون من القراءة بصعوبة ويحفظون دون أن يفهموا إلا القليل مما يحفظون.
وحسب ذات المذكرة فتراكم الصعوبات التعليمية خلال السنوات الأولى للتعليم، يخلف آثارا سلبية على التطور المعرفي للتلميذ طيلة مساره الدراسي، تؤثر بشكل سلبي على إنتاجيته خلال شبابه. البنك الدولي وواقع الحال يتحدثان عن فشل المنظومة التعليمية في المغرب، وهو الفشل الذي تحدثت عنه سابقا اختلالات المخطط الاستعجالي، وله من اسمه نصيب إذ أنتج تعليما بجودة ضعيفة، ويتحدث عنه القصور الكبير في عملية الخلق والتمكين المفروض أن تقدمها المدرسة كمحيط، فلم يواز في بناء التلميذ علميا وفكريا وروحيا، لم يستثمر فيه كإنسان، بالرغم أنه للإنصاف بذل مجهود من أجل المحيط السوسيو ثقافي للمدرسة، لكن ظل قاصرا و يستمر بالثبوت أنه لا يمكن الحديث عن إصلاح المحيط دون إصلاح مجتمعي شامل.
الطبيعي أن نحس بالامتنان والتقدير تجاه من علمنا، وما كان لكرامة الأستاذ/ة أن تهان، كما أنه من شرف مهنة التعليم أن يحفظ الأستاذ/ة كرامة التلميذ/ة. أستحضر هنا تجربة شخصية. في الفصل السادس من المرحلة الابتدائية، سألتني معلمتي عن ما أود أن أكونه عندما أكبر، أخبرتها عن أحلامي ولم تكن قد نضجت بعد لكنها كانت ما أحبه، وأخبرتني بثقة أنها تؤمن بأنني سأصبح ما أريده، وفي المدرسة الإعدادية كان يكتب لي أستاذي للغة العربية ملاحظة على ورقة نتيجة/حصيلة الفصل "الصقور تسبح في الأعالي".. ولم أنس أبدا هذه العبارة أو تلك الثقة.
بالمقابل، لم أنس أيضا أن معلمي في المرحلة الابتدائية كان يجلسنا على مقاعد الفصل بناء على تراتبية النقط ووظيفة الأب، دون أن يخلو ذلك من تعليقات تهكمية له، وأن أستاذي في المرحلة الإعدادية رمى بي خلف باب الفصل، بما تعنيه كلمة رمي، عندما أخبرته أن هناك خطأ في حاصل النقط على ورقة امتحاني. هذان الموقفان كانا منعزلين، وسقطا عن روحي لعظم وجمال ما اختبرته خلال سنوات الدراسة، ولأن المنشأ كان بإيمان تلك المعلمة وأعالي ذلك الأستاذ، وأجهد ككثيرين غيري على درب العمل لأجلها.
وإذ يعرض تلميذ الفيديو السالف الذكر على التحقيق حاليا، وينتظر أن يمثل أمام القضاء، بينما يشتكي تلاميذ استقت شهاداتهم وسائل إعلام محلية، من مشاكل نفسية يقولون إنه يعاني منها الأستاذ، ويطالبون بتغييره، يحتقن الوضع أمام أستاذ كاد أن يكون قتيلا، وأمام مستقبل يكاد يضيع لتلميذ في السابعة عشر، لكن يحتقن بشكل أحدّ أمام الإصلاح، الحق الممكن، الذي بتنا ننظر إليه كمعجزة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.