ترعانا أمهاتنا حتى نكبر ثم تتغير عجلة الحياة حتى تصبح الرعاية شراكة بين إثنين، يجتمعون تحت سقف الشرعية الزوجية، يكملون طريقهم ويتعكزون على بعضهم حتى يصبحا روحين بجسد واحد، يعيشون حياة واحدة في حلوها ومرها، ثم تزداد عليهم مسؤولياتهم وتكبر أحلامهم مع أبنائهم، فيعيشون ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم. قال تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
الزواج سكينة يلجأ إليها الذكر والأنثى لتكوين حياة مستقرة وأسرة سعيدة وتربية جيلٍ واعٍ يخدم المجتمع ويرقى به. وأنَّى لهذه النواة أن تنهض بمجتمعنا إن كانت غير مستقرة. الزواج ليس استبداداً لطرف دون آخر بل هو علاقة تقوم على البنائية فكل طرف يكمل نقص الآخر وحاجته الفطرية. خُلقة المرأة ضعيفة بعاطفة قوية والرجل خلق قوياً وقاسياً شديداً. كل طرف يكمل الآخر لتكوين مجتمع قوي. تحتاج المرأة إلى زوج يقوى ضعفها ويعينها على مصاعب الحياة. كما أن الرجل يحتاج إلى عطفٍ يُلَيِّنُ به قلبه القاسي. لذلك كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يوصينا دائماً بالنساء ففي سنن الترمذي عن عمرو بن الأحوص عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم".
كلٌ من الرجل والمرأة مسؤولان عن إدارة هذه الأسرة كلٌ حسب الدور الذي يؤديه. ولكن الأدوار تختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر ومن أسرة لأخرى. إن من المعتاد قديماً أن يكون دور الرجل بالسعي لرزق عائلته والمرأة في تربية الأولاد، لكن لا نستغرب بأن يكون عكس ذلك في هذا الزمان. فغالباً تجد الآن الرجل والمرأة يعملان ليكسبا رزقهما وذلك بسبب ما نعيشه من أوضاع صعبة وحياة معقدة لم تكن موجودة فيما سبق. فكانت الحياة قديماً تمتاز بالبساطة أما الآن ففيها الكثير من التعقيد.
كلُ طرف يجب عليه أن ينبذ تلك الأفكار المستبدة التي تمليها علينا جاهليتنا أو أعرافنا أو تقاليدنا القديمة التي لا تصلح أن تكون أدوات للقياس في حاضرنا. فكرة المرأة (الخادمة) لم يكن قط في قواميسنا كمسلمين إنما كانت أفكار لرجال مستبدين بقلوبهم المتحجرة. فالمرأة قوية بأخلاقها وثقافتها وما تملكه من معرفة وشهادات وكفاءة، فالمرأة الآن تجدها طبيبة ومهندسة ووزيرة ونائبة وقائدة وكاتبة تناقش قضايا ومسائل الأمة تماماً كما هو الرجل. وفكرة تقييد المرأة بأعمال المنزل فقط ليس سوى تكبيلها وسجنها وتقويض حريتها.
لا يمكن أن نقبل بعض التقاليد البالية التي تصور الزواج كثكنة عسكرية قائد وجنود، يأمر الرجل فيطاع دون اعتراض. بل يجب عليه أن يبحث عمن تكمله، عن تلك التي تجاريه فهماً وعلماً وثقافةً، تلك التي تملك تصوّرها الخاص للحياة، لها أحلامها التي تتجاوز الطبخ والتنظيف فقط، فالحياة هنا شراكة تسير في مركب واحد.
الثقافة التي يجب أن تبنى بين الزوجين هي التي تقوم على الحب والاحترام المتبادل بغض النظر عن كون الزوجة أو الزوج جامعي أو غير ذلك. ليس بالضرورة أن نجعل الفتاة الجامعية هي تلك الزوجة المثالية ولا تلك الفتاة التي تربت في بيت أهلها ولم تختلط بالجامعات هي الزوجة غير المثقفة أو الجاهلة. الثقافة لها أبعاد مختلفة. فرُبَّ فتاة تربت في بيت أهلها ولم تكمل دراستها تملك الكثير من الأخلاق وفن التعامل مع الزوج مالا تملكه فتاة جامعية وربما هو العكس أيضاً.
لكن وبلا شك يبحث الكثير من الشباب عن جامعية حتى يعملوا جنباً إلى جنب في بناء بيت الزوجية. وهذا ليس عيباً، ليس عيباً أن تساعد الزوجة زوجها برضاها ولكن العيب أن يتواكل الرجل ويعتمد ويستغل الزوجة ويعتدي على حقها. المثل يقول "الوفق يعين على الرزق" وهذا صحيح. يمكن أن تكون نفس الحالة في أسرة أخرى لكنها غير مستقرة بسبب عدم الوفاق بين الطرفين.
كن رجلاً وتزوج من مثقفة تتفهم وضعك وتستر عيبك وتسند ظهرك. إن استشرتها افادتك وإن مازحتك اسعدتك وإن طلبتها للنصح وجدتها أهلا لذلك، وإن جارت عليك الأيام فسقطت انتشلتك. تزوج من مثقفة لأنها لن تكون زوجتك فقط بل صديقتك المقربة وشريكة حياتك حتى مماتك. ولا أعني بالمثقفة تلك الصورة النمطية، صاحبة الشهادات الجامعية، فالثقافة بحث ذاتي عن المعرفة ترقى بمن تتحلى بها. كن رجلا وتزوج من مثقفة تطيعك حبً لا خوفاً، تحبك لأنها رأت فيك ما يكملها، تحبك مختارة لا مجبرة، تحبك لأنك ملكت عقلها وقلبها معاً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.