دنفر – سيُذكَر دائما خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة لغته الغريبة ووصفه لكوريا الشمالية بأنها "لئيمة" وإيران بأنها "قاتلة" وكوبا وفنزويلا بـ"الفاسدتين". وبالإضافة إلى مناداة الدول الأعضاء بالجاحدة، قدم ترمب أيضا دفاعا قويا عن سياسة "أميركا الأولى".
ولكن بينما كان اختيار ترمب الخاص للكلمات جديدا بالنسبة للأمم المتحدة، فإن حججه لم تكن كذلك. فقد أشار، مع بعض المبررات، إلى أن البلدان الأخرى أيضا تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية الخاصة. وكرر شكوى قديمة داخل دوائر السياسة الخارجية الأميركية: من المفرط وغير العادل أن نتوقع من دافعي الضرائب الأميركيين أن يدفعوا 22٪ من إجمالي ميزانية الأمم المتحدة.
وقال ترمب، بعد أن دعا الجمعية العامة إلى القيام بدورها في تنفيذ العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية ومن ثم تطبيقها على أرض الواقع، "دعونا نرى كيف سيفعلون ذلك". ولكن إشارته إلى الأمم المتحدة بالجمع الغائب "هم" يعني أنها منفصلة عن الولايات المتحدة. كانت نبرة ترمب مثل مستأجر غير راض، يلقي اللوم على المالك بسبب حالة إصلاح منزله السيئة. ولكن الأمم المتحدة في حالة جيدة مثل أولئك الذين يعيشون فيها، بما فيهم الولايات المتحدة نفسها.
وذكر ترمب في خطابه مساهمات أميركا العديدة في العالم، قائلا إنها تدافع عن الأمم المتحدة لصالح البلدان الأخرى التي هي في حاجة إلى منتدى دولي من هذا الحجم. ولم يتحمل أي مسؤولية أميركية عن نجاحات الأمم المتحدة أو إخفاقاتها أو حتى إنجازاتها. ولكن بالإضافة إلى مساهمتها أكثر من أي بلد آخر في ميزانية الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة تلعب أيضا دورا ضخما داخل المؤسسة. وهكذا يمكن للولايات المتحدة أن تدعي الفضل في نجاحات الأمم المتحدة. ولكنها مسؤولة أيضا عن العديد من إخفاقاتها.
ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد أمين عام للأمم المتحدة يتولى منصبه دون دعم أمريكي. وباعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن، تتمتع الولايات المتحدة بحق الفيتو على أي إجراء للأمم المتحدة، بما في ذلك العقوبات، ونشر قوات حفظ السلام، والإدانات الرسمية للدول الأعضاء الأخرى. وحتى لو كانت البيروقراطية المؤسسية الكبيرة للأمم المتحدة غير عملية في بعض الأحيان، فإن فعاليتها تعتمد في النهاية على أعضائها الأكثر نفوذا.
كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الصراع البوسني في أوائل التسعينيات عندما قرر مجلس الأمن إرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بدلا من نشر قوات متعددة الأطراف، كما كان مسموحا به بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وقد أصرت المملكة المتحدة وفرنسا، اللتين ساهمتا في الجزء الأكبر من قوة حفظ السلام، على إيجاد أمر لحفظ السلام، لأنهما لا يرغبان في تعريض قواتهما للأذى.
وقد رفضت الولايات المتحدة من جانبها المساهمة بأية قوات على الإطلاق، وبالتالي لم يكن لها الحق في المطالبة بتفويض أقوى كان من شأنه أن يسمح لقوات الأمم المتحدة بالتدخل لوضع حد للعنف. وعلى الرغم من أن العديد من الأميركيين شاهدوا المجازر من غرف جلوسهم وأرادوا من الأمم المتحدة بذل المزيد من الجهود لوقف ذلك، لم يكن لديهم ولا قادتهم -أولا جورج بوش ثم بيل كلينتون- أي نية بإرسال قوات أميركية لتكون ضمن قوات حفظ السلام البوسنية. والنتيجة، كما نعلم الآن، هي استمرار القتل، وأحيانا أمام أعين قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي لم تمنحها بلدانها صلاحية كافية للتدخل.
وبحلول الوقت الذي وضعت اتفاقات دايتون، بقيادة الولايات المتحدة، حدا للحرب في (ديسمبر/كانون الأول) عام 1995، فقدت منظمة الأمم المتحدة مصداقيتها في عمليات حفظ السلام بشكل كامل بحيث أرسلت قوات حلف شمال الأطلسي الحربية لتحل محل قوات الحماية الدولية. وبعبارة أخرى، عندما تطلب الأمر مقاتلين، أوفدت الأمم المتحدة قوات حفظ السلام؛ وعندما دعا الوضع إلى حفظ السلام، أرسلت مقاتلين. ولا علاقة لهذا الخلل الفاضح بالأمم المتحدة. بل كان نتيجة مباشرة لقرارات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وحتى خطاب ترمب المعقد والبائس اعترف بأن الأمم المتحدة تقدم إسهامات قيمة من أجل السلام العالمي، من خلال بعثات حفظ السلام وغيرها من أشكال المساعدة. وفي كثير من الأحيان، يتم هذا العمل في بلدان نائية، حيث مشاركة الولايات المتحدة المباشرة غير مستحبة بالنسبة لكثير من الناخبين السياسيين الأميركيين.
إن الأمم المتحدة أبعد ما تكون عن الكمال. ولكن بدلا من إبعادها، يجب على القادة الأميركيين، بدءا من ترمب، أن يعوا أن أعمالها وقراراتها غالبا ما تكون امتدادا لبلدانهم.
__________________________________________
المصدر: (بروجيكت سينديكات)
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.