لربما هي المرة الأولى التي أسمع فيها باسم أستانا ولا أتوقع أنني الوحيد بذلك مثلي مثل جزء كبير من المجتمع السوري، وربما العالمي الذي لا يعلم إلا منذ أسابيع قليل بوجود هذه المدينة المجهولة.
وهي ليست المدينة الأولى ولا الأخيرة التي ربما أعلم بوجودها ضمن المدن العالمية التي ربما تستضيف يوما ما اجتماع لحل الأزمة السورية بين قوسين "حل لإبقاء الأسد وقتل الثورة ضمن اتفاقيات لن توقف شلال الدماء الذي تغذيه للصدفة راعي المؤتمر روسيا وأذرعها إيران وميليشياتها الأفغانية والعراقية واللبنانية والسورية".
وسوف تمر أستانا كما مرت سابقاتها دونما أي تغيير فلا بد لكل شعب أراد الحياة أن يستجيب القدر بنهاية المطاف. |
وها هي أستانا تنضم لسلسلة مدن الدم التي سبقتها من فيينا إلى جينيف إلى زيورخ وغيرها وغيرها التي لم تجلب للشعب السوري إلا تصعيدا كبيرا من القتل والتدمير والتشرد لإرغامه على القبول ببقاء القاتل وأذرعه بمكانهم دونما أي محاسبة، لتصبح أستانا الدم وصمة عار جديدة بحق المجتمع العالمي ووسام شرف جديد لآلة القتل الروسية التي كسبت بهذه الجولة تنازلا من قبل الفصائل الثورية بجلوسهم معها رغم استمرار قتلها وإبادتها لعديد المناطق بحجج واهية.
موقف الضعيف التي وضعت المعارضة نفسها به جراء تشتتها وحالة الضياع الكبيرة ضمن صفوفها فهي بدون حلب ولا ريف دمشق الغربي ولا عديد المناطق التي فقدتها بسبب بعدها عن الثورة وعن الشعب الذي خرج بهذه الثورة، وهي التي تراقب وادي بردى يباد ويحرق وتشاهد الغوطة الشرقية تذبح بصمت وتندد قصف طائرات راعي السلام لأي بقعة من الأراضي التي من المفترض أنها بوقف إطلاق ناد وتهدئة لم تشمل أي منطقة محررة للأسف.
وربما كسبت هذه الفصائل في هذه المرحلة اعترافا روسيا بوجودها وضرورة التفاوض معها وهي التي كانت منذ أشهر قليلة مصنفة إرهابية ووجب القضاء عليها، وها هي اليوم تجلس ليس مع من يدعي السيادة الوطنية ويتغنى بانتصارات لم تكن لتتحقق لولا وجود أحد أقطاب العالم، بل تجلس مع كافة القتلة إلا ذلك الشخص المعتوه الذي أمسى دونما أي سلطة على أي شبر.
أستانا اليوم تلبس زي السلام المزيف المرصع بدماء الشعب السوري وعلى أسوراها تعلق صور عشرات آلاف المعتقلين، وعلى طاولة التفاوض سوف تضع مياه بردى التي حرمت منها دمشق وأهلها وفي استراحاتها سوف يتذوق القاتل من فاكهة الغوطة المدمرة المحاصرة المهجرة، وفي لوحات قصورها سوف ترى جحافل المهجرين عن مدنهم فقط لأنهم أرادو العيش بحرية وكرامة..
لتكون أستانا إناء الدم الذي سكبت به قطرات من دماء الشعب السوري الذي لن يجف ولن ييأس ولن يتراجع عن إسقاط الأسد وكل قاتل لبس زي السلام المزيف، وسوف تمر أستانا كما مرت سابقاتها دونما أي تغيير فلا بد لكل شعب أراد الحياة أن يستجيب القدر بنهاية المطاف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.