لقد ظلت مناطق كثيرة في القارة الأفريقية مجهولة لزمن طويل، بعيدة عن طرق الرحالة والمستكشفين، وخاصة تلك المنطقة الواقعة بين الصحراء الكبرى والساحل الغربي لأفريقيا (السنغال – غانا)، ولا يعلم أغلبنا أن هناك حضارة قد قامت فى تلك المنطقة خاصة على حوض نهر النيجر الذي كان يظن البعض أنه امتداد للنيل، حتى إن ابن بطوطة و ابن خلدون أطلقا على تلك المنطقة السودان..
فكانت كلمة السودان أوسع وأشمل لأغلب مناطق افريقيا في القرون الأولى للإسلام.. أما في القرن التاسع عشر ، وبعد اكتشاف منابع النيل ومنابع نهر النيجر اختلفت التسمية قليلاً فأصبح اسم تلك المنطقة من أفريقيا تعرف بالسودان الغربي.
يظن البعض أن أفريقيا ظلت منذ بداية الزمن أرضا همجية يسكنها أكلة لحوم البشر، وفي زمن ما أصبحت منجما للعبيد ، ولكن لم تكن تلك الحقيقة مطلقاً، ففي غرب أفريقيا قامت مملكة دامت لقرون من الزمن تدعى "مملكة غانا".
يظن البعض أن أفريقيا ظلت منذ بداية الزمن أرضا همجية يسكنها أكلة لحوم البشر وفي زمن ما أصبحت منجما للعبيد، ولكن لم تكن تلك الحقيقة مطلقاً، ففي غرب أفريقيا قامت مملكة دامت لقرون من الزمن تدعى "مملكة غانا" |
كانت أراضي تلك المملكة تضم وادي نهر السنغال وتشمل منطقة واسعة شرقاً حتى حوض نهر النيجر، ظلت تلك المملكة على الوثنية لقرون كثيرة وكانت تجارة الذهب رائجة ولكن مع مرور الوقت وتزايد الصراعات انهارت مملكة غانا بحلول القرن الثالث عشر الميلادي.
إمبراطورية مالي
قبل سقوط مملكة غانا بقرن أو أكثر، اعتنقت قبيلة المانديك الإسلام في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي أثناء حركة المرابطين ، انفصلت المانديك بأراضيها عن مملكة غانا وأصبحت تنافس المملكة المحتضرة على مناطق واسعة غرب نهر النيجر، وسرعان ما تأسست دولة جديدة استطاعت بزعامة "سندياتا" أن تضم الكثير من مناطق كانت تحت سيطرة قبائل خاضعة لملك غانا، وخلال فترة وجيزة استطاع "سندياتا" أن يجعل من مملكته الصغيرة إمبراطورية عظيمة بعد أن استولى على كافة أراضي مملكة غانا الغابرة، ليصبح متحكماً في مناطق شاسعة وشعوبها تدين له بالولاء.
كانت هذه البداية الفعلية لأول مملكة إسلامية في عمق الغرب الأفريقي ، استقر حكم سندياتا بعد توحيد قبائل وشعوب المنطقة وقد دام ملكه مدة 25 عاماً ، نهضت فيها الدولة الجديدة وبرزت مكانتها بين ممالك المسلمين في أفريقيا.
استطاعت أسرة سندياتا أن تنهض أكثر بالبلاد خاصة و أنها ورثت مناجم الذهب التي كانت يوماً مِلك المملكة البائدة ، أخذ الخلفاء من بعد في تطوير المدن وبناء الجديدة منها فازدهرت التجارة، و لا ننسى أنهم ساهموا في نشر الدعوة الإسلامية التي انتشرت مبادئها وقيمها في سهول و أحراش السنغال ونيجيريا والنيجر وامتدت جنوباً حتى شملت كل الجانب الغربي من القارة السمراء .
منسى أبو بكر (أبو بكر الثاني)
في عام 1303 م – 703 هـ ، ارتقى عرش مالي مانسا أبو بكر ، الذي كان ابن اخ سونديانا ، و بلغت العاصمة ( تمبكتو ) في عهده مكانة عالية و سميت بعاصمة الذهب ، حيث كان لا يوجد بها فقير ، شيدت المباني الضخمة والقصور ، وذات يوم أعلن مانسا أبو بكر أنه سيذهب لاستكشاف بحر الظلمات ( المحيط الأطلسي ) ، كل ما قيل عنه أنه بحر لاحدود له.
أمر بإعداد مائتي سفينة وجهزها بالرجال والزاد ، لم يكن من الصعب تجهيز كل تلك السفن والرجال ، فمملكة مالي في ذلك الوقت كانت تملك نصف ذهب العالم على الأقل … وبالفعل رحل أبو بكر الثاني متجهاً لاستكشاف ما وراء المحيط الأطلسي ، وقد تنازل عن الحكم لأخيه ( مانسا موسى ) الذي قص تفاصيل تجهيز الرحلة وخروج أخيه على مسامع العالم الجغرافي ( ابن فضل الله شهاب الدين العمري ) والذي أورد تلك الرحلة ضمن كتابه " مسالك الأبصار ".
مانسا موسى (أغنى رجل في تاريخ البشرية)
لعل الشهرة التي اكتسبها مانسا موسى تعود لرحلة الحج الشهيرة التي قام بها والتي عرفت ( بحجة الذهب ) ، تولى مانسا موسى الحكم بعد أخيه الذي قرر اكتشاف المحيط ولم يعد ، فبعد أن قام بعدة إصلاحات داخليه قرر هو الآخر أن يذهب في رحلة كما فعل أخوه الأكبر ولكن هذه الرحلة كانت براً ، و فى عام 1324 م 725 هـ قام الملك برحلة الى البلاد المقدسه لأداء فريضة الحج ، وقد ذكر ابن خلدون وابن حجر : أن مانسا موسى حمل معه من بلاده للإنفاق على الرحلة مائة جمل من التبر أي من الذهب ، وفي كل جمل ثلاث قناطير بما يقدر بخمسين ألف رطل من الذهب .
ورافقه خلال هذه الرحلة آلاف من الرجال و الحاشية والخدم ويقول صاحب تاريخ السودان بأن عددهم ستون ألفا، حيث قطع الصحراء عن طريق ولاته وواحة توات ومن ثم اتجه إلى مصر ، اتسعت العيون وانبهرت العقول مع دخول موكبه للقاهرة المملوكية ، فقد كانت القافلة عظيمة وظل الناس يتحاكون بضخامتها وفخامتها ، ولم يكن حديثهم يخلو من اسم سلطان مالي السخي وإلى جانب ثرائه وسخائه ترك مانسا موسى أثرا في مصر خصوصا بجلال مظهره ووقاره ، ولم يقتصر سخاء موسى وكرمه على القاهرة بل كان ينشر الذهب حيثما حل وقد انطلقت يده بالعطاء خصوصا في الأماكن المقدسة حيث كان يوزع الهدايا دون توقف.
عظمة مالي منذ زمن سندياتا وحتى مانسا موسى ومن بعده كانت أحد الأسباب التي مهدت لحركة الكشف والاستعمار الأوروبي |
عاد مانسا موسى إلى تمبكتو حاملاً معه علماء من المدينة المنورة و دمشق وبغداد والقاهرة والأندلس ، وقام بتأسيس جامعات ضخمة، وتعد مكتبة تمبكتو من أهم الصروح التي أقامها موسى ، ففي عهده ازدهرت مملكة مالي وبلغت مكانة مرموقة بين ممالك العالم كافة ، وتناقلت الألسنة عبر العالم اسم ملكها العادل ، أثرى رجل في العالم ، ولعل أقدم وثيقة تحمل اسمه وصورته ترجع إلى عام 1339م ، أي بعد وفاة ( مانسا موسى ) بسنوات قليلة ، وهي الخريطة المعروفة ( الخريطة القطالونية ) وهي من تصميم العالم الجغرافي الميورقي إبراهام كرسك .
وقد أوضحت الخريطة قلب الصحراء، وفيها رجل ملثم يركب جملا ويسير بخطى سريعة، نحو ملك مهيب جالس على عرشه في كامل لباسه الملكي ، وعلى رأسه تاج ، وفي إحد يديه صولجان الملك، وفي اليد الأخرى قطعة من ذهب يقدمها لذلك الراكب المهرول نحوه، ويسمى كما هو منقوش على الخريطة ( أغنى وأعظم ملك في جميع البلاد ).
وما نستطيع استخلاصه أن عظمة مالي منذ زمن سندياتا وحتى مانسا موسى ومن بعده ، كانت أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة الرغبة في التعرف على أعماق إفريقيا ، تمهيدا لحركة الكشف والاستعمار الأوربي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.