منذ الأيام الأولى للثورة السورية حاول النظام اصطناع النصر، وإنهاء الثورة فجعل منها مؤامرة، وعمل جاهدا على تسليحها ليثبت وجهة نظرة فيها، وليشرعن إبادتها، ولكنه فشل فشلا ذريعا في ذلك ولا سيما إعلاميا فقد اتضح كذب إعلامه، وسذاجته.
انتشرت الثورة وعمت كل أرجاء سورية وبدأت كفة الثوار تميل نحو النصر على الرغم من ضعف التسليح في تلك الفترة، وطرقوا أبواب العاصمة دمشق عدة مرات. عندها تدخلت إيران منكرة تدخلها أكثر من مرة محاولة تحقيق انتصار سريع يمكن استخدامه لإعلان انتهاء الثورة التي اعتبروها مؤامرة تستهدف محور المقاومة والممانعة لتحقيق نصر إعلامي وعسكري، ولكن ذلك لم يتحقق وزاد الوضع سوءا وبدأ الحديث عن دخول دمشق من الجنوب الثائر.
جاءت الميليشيات الشيعية من اليمن والعراق وغيرها من البلدان بحجة الدفاع عن الأماكن المقدسة وأصبحت سوريا كلها مكانا مقدسا بالنسبة لهم وحاولت بوحشيتها دعم النظام. |
وتدخل حزب الله ليحقق مع حليفه النصر المرجو ودخل بكل قوته وأعتبر الطريق إلى القدس يمر من القصير والزبداني والقلمون من وجهة نظرهم المقاومة ولكن الحزب وجد نفسه متورطا في مستنقع يستنزف طاقاته يوما بعد يوم في كل من سوريا ولبنان ولا سيما أن عدد قتلاه كان بازدياد مضطرد مما شكل ضغطا على حاضنته وعلى لبنان عموما إلى أن اقتنع أن النصر العسكري غير ممكن، وبدأ يكمل البحث عنه إعلاميا وتغير طريق القدس وأصبح يمر من حلب.
ثم جاءت الميليشيات الشيعية من اليمن والعراق وأفغانستان وغيرها من البلدان بحجة الدفاع عن الأماكن المقدسة التي انتشرت في كل سوريا وأصبحت كلها مكانا مقدسا بالنسبة لهم وحاولت بوحشيتها دعم النظام لتحقيق النصر المنتظر الذي يمكن أن يعلن من خلاله إنها الثورة، ولكن ذلك لم يجد نفعا.
بدأ العمل عندها على تحييد بعض الجبهات للتفرغ لجبهات أهم منها عسكريا واستراتيجيا، وبالفعل نجح النظام في تحييد جبهة الجنوب الذي اتجهت فصائلها للتنقيب الأثري حفاظا على تاريخ سوريا القديم! تزامن ذلك مع تدخل روسي قوي لإنقاذ النظام المتهاوي والذي كان على وشك السقوط لدرجة أن عمره صار يحسب بالأسابيع وبدأ الطيران الروسي يمارس سياسة الأرض المحروقة لاستعجال النصر بالشكل الذي يريدونه متذرعين بمحاربة الإرهاب المصطنع والذي لم يرموه حتى بالزهور، ولم يفلحوا رغم تركيزهم على حلب التي روجوا أنها الأساس في الثورة وبتحقيق النصر فيها يكون بإمكانهم إعلان انتهاء الثورة التي استنزفتهم وأطالت بقاءهم الذي لم يتوقعوه.
يضاف إلى هذا كله ومنذ انطلاقة الثورة تنسيق كامل بين النظام ووحدات حماية الشعب الكردية وفيما بعد قوات سورية الديمقراطية مع خدمات خفية لعدة فصائل وتنظيمات كان الهدف منها كلها وأد الثورة اليتيمة.
حلب وإن سقطت فهذا ميلاد مرحلة جديدة لترتيب أوراق الثورة وتصحيح مسارها الذي أؤخذ في طرق مختلفة من قبلهم وهم يبحثون عن نصرهم المصطنع. |
أُحكِمَ الخناق على حلب بعد أن فٔك حصارها عدة مرات ويبدو أنهم هنا سعوا لتحييد بعض الفصائل وبدأت أمور حلب تزداد سوءا إلى أن تقرر إجلاء سكان الأحياء المحاصرة الذي بدأ قبل أيام وبدأت احتفالات النظام مستعجلة الأمور؛ لأنها الفرصة الأخيرة بعد أن تم إنهاكه واستنزاف حلفائه وبدأ مؤيدوه بالرقص على الأنقاض والتقاط الصور على الأشلاء معلنين أن كل شيء انتهى.
واستعجلت روسيا هي الأخرى التحرك لتعزز فكرة النصر لحليفها، وتنهي مهمتها بعقد مؤتمرها الثلاثي الروسي التركي الإيراني الذي انعقد في موسكو لدرجة أنها لم تعر اهتماما لسفيرها المقتول في أنقرة محاولة تثبيت النصر المصطنع الذي تساهم فيه حتى الأمم المتحدة من خلال نشر المراقبين الدوليين لضمان سلامة الوضع الراهن ومحاولين قطع الطريق على الثوار وحاضنتهم لمنعهم من استيعاب ما يحصل أو حتى التفكير به..
ومظهرين أن الثورة كلها حلب وبسقوطها تضيع الدماء بلا ثأر وينتهي كل شيء إلا ما يأتي به النصر المصطنع من حلول مفروضة، ولكن الثورة أشمل من ذلك وحلب وإن سقطت فهذا ميلاد مرحلة جديدة لترتيب أوراق الثورة وتصحيح مسارها الذي أؤخذ في طرق مختلفة من قبلهم وهم يبحثون عن نصرهم المصطنع الذي شرد آلاف المدينيين في العراء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.