شعار قسم مدونات

المعرفة

BLOGS- المعرفة

نعيش عصر المعلومة بامتياز، تكفي ضغطة زر لنعرف الكثير من المعلومات والأخبار والاكتشافات والاختراعات، لم يكن البحث أسهل مما هو عليه الآن.. كم مرة جلسنا متباهين مفتخرين بما نملكه من معلومات عن موضوع ما؟ نسرد أو نحدث من حولنا بثقة وقوة، نعطي دلائل وأمثلة ومراجع لما نقول أو نحكي، نفند الرأي المعاكس، ليس حبا في العلم أو حتى انصافا للمعلومة بقدر ما هو حب لإثبات قيمة الذات أو وجهة النظر أو حتى ثقل الوزن الفكري لدماغنا.
 

ما مدى أهمية معرفتنا الخاصة أمام المعرفة الكونية؟!
لا يتطلب الأمر أكثر من جولة سريعة في التاريخ العلمي والثقافي للإنسان ليتوضح لنا أن الحقائق والاكتشافات لا تتمتع بالمصداقية المطلقة، وأغلبها يعتبر نسبي الوجود والمدى، حتى إن كانت في حينها اكتشاف القرن، وإن كان هناك شيء ثابت منذ بداية التطور الإنساني هو التغيير المستمر للمكتسبات المعرفية وهذا التغيير إما أن يؤكد أو يدحض بعضا من الحقائق الكونية، فيثبت صحة نظرية أو خطأها، فما كان بالأمس مسطحا أصبح اليوم كرويا وما كان نجما مضيئا صار مجرد انعكاس وما يبدو نشطا هو في الحقيقة منعدم الحركة.
 

أن نكون ملمين معرفيا بموضوع ما أو بعدة مواضيع لا يعني أننا نمتلك المعرفة المطلقة ولا يعطينا الحق في الإسهاب والثرثرة أينما حللنا وارتحلنا، فلكل معلومة مكانها ووقتها وطريقة إيصالها.

فإذن ما هو وزن ما نعرفه في سوق الكون وما مدى صحته وأهميته؟!
عندما نسمع أن علماء كبارا أمضوا عمرهم محاولين الوصول لحقيقة ما أو إثبات صحة أو خطأ نظرية ما وماتوا قبل أن يثبتوها ليثبتها من جاء بعدهم فإن معرفة الإنسان العادي تكاد تكون معدومة وسطحية في العديد من المجالات، ولا تتعدى المرحلة الببغائية، فقراءة شيء أو حفظه عن ظهر قلب لا يعني التمكن من عمقه أو حتى إدراك أحشاءه..

أن نكون ملمين معرفيا بموضوع ما أو بعدة مواضيع لا يعني أننا نمتلك المعرفة المطلقة ولا يعطينا الحق في الإسهاب والثرثرة أينما حللنا وارتحلنا، فلكل معلومة مكانها ووقتها وطريقة إيصالها، كما أنه من الحكمة إبقاء ذهننا مفتوحا لتقبل الاختلافات والرأي الآخر، ففي كون لا يتوقف عن التغير والنقض والدحض والنظرية و النظرية المعاكسة، من الغباء أن نبقى ثابتين متشبثين ببعض المعلومات التي وصل إليها غيرنا وقمنا بتجميعها عن طريق الكتب أو الإنترنت، طبعا هذا لا يعني أن ما يعرض علينا غير صحيح ولكنه يقبل الصحة كما يقبل الخطأ، ويحتاج للتأكد والتدقيق.
 

جميل أن يكون المرء موسوعة متنقلة، أن نعرف الكثير عن الأرض والشجر والحجر والبشر، نعطي حضورنا طابع الأهمية والإلمام بكل جديد، غير أنه يوجد هناك نوع آخر من المعرفة، مثير للاهتمام ربما هو أهم نوع: معرفة النفس وسبر أغوار الذات و ذلك ليس بالشيء الهين وخصوصا إذا ما كنا نولي اهتمامنا للقشور السطحية والفضائح الفيسبوكية والأخبار الوهمية..
 

هذه المعرفة هي التي نستطيع أن نصنف بها أنفسنا، هل نحن من محبي الشهرة والتفاخر أم أننا نبحث عن العلم ونسعى لتكوين وصقل الذات وتحديد موقعنا في الحياة، نرغب بمشاركة الناس بكل معلومة نجدها قيمة، ونتقبل بصدر رحب اختلاف الرأي ونعرف متى يصبح الصمت والانسحاب من نقاش ما واجبا، أم أننا مجرد فضوليين نريد أن نعرف كل شيء دون تحديد لما ينفع ولا ينفع، دون أن نقوم بتنقية وغربلة ما نحصده من معلومات فقط نصدع بها رأسنا ورؤوس من حولنا دون فائدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان