قارب العام على الانقضاء وشارفنا على الدخول في عام جديد، ولا زلنا نسمع في محيطنا العربي من ينكر علينا نحن القراء قراءة الروايات، برغم أن الساحة العربية تزخر بروايات لا يمكن وصفها إلا بأنها أدب عالمي جاوز حد الروعة قديما وحديثا، لست هنا انقد أو أرد مقولتهم هذه، أو أسس لهم ماذا تعني الرواية، لكنها كلمات من قارئ إنتقل من كونه غير مبال بالرواية إلى محب لها.
إذا كان ثلث القرآن قصص، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)وهو خالد إلى يوم الدين موجه للبشرية جمعاء، ومع تلك القصص عبر وحكم ومواعظ ما لا يخطر على بالك، ومن إعجازه كلما أعدت قراءة القصة المرة بعد المرة لاحت لك عبر أخرى لم تكن قد تنبهت لها، وعلى اختلاف قصص القرآن من تاريخ وسير للأنبياء جاءت في سياق القصة القصيرة وحتى الطويلة منها لكنها ذو معنى أسمى وهدف نبيل ناهيك عن أجرك عند قراءتها، من هذا المنطلق ألا يمكن أن نعتبر هذا داخل في تحبيب القرآن لنا للقصة وحثنا على قراءتها، بما أنه أول كلمة فيه اقرأ من غير تحديد ما نقرأ.
قراءة الروايات تعلمك عبارات عربية فصيحة أديبة تلهمك أحيانا، وتدهشك كثيراً، أيضا توسع أفاقك الإدراكية وتصبح صاحب مخيلة واسعة تتسع بعدد الروايات التي تقرأها. |
شيء آخر في هذا الوجود نجد الصالح والطالح، الطيب والخبيث، الصحيح والخطأ، والرواية (خصوصا العربية) لم تسلم من هذا الأمر ولن تسلم منه لأنها سنة الله في خلقه، فالكمال المطلق لله وحده، من هنا قد نجد روايات عربية خالفت أراء البعض ووافقت أراء البعض الأخر، لكن أن ننكرها كاملة ونجعل من قارئ الرواية شخص مذنب وننعته بأقبح الأسماء، لا لشيء إلا لأنه قرأ رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ مثري المكتبة العربية بكتابات ستضل خالدة في التاريخ تشهد له بذلك كلما فتحنا موضوع الرواية العربية.
أو لأنه فتح عينيه أكثر وأكثر على القضية الفلسطينية بقراءته لروايات غسان كنفاني أو الأمتع من ذلك رواية البحث عن وليد مسعود لجبرا إبراهيم، مرورا بالسيدة من تل أبيب ومصائر لصاحبهما المدهون، حتماً لا ، فيمكن أن تأثر فيّ هذه الروايات أكثر من أن تؤثر فيّ ألف خطبة تدعو لها أفضل القنوات شهرة ويقدم لها أبرع المقدمين، لكن وبكلمات مبدعة وقصة ممتعة وحبكة مذهلة جاءت في نسق رواية تشد عقلك وقلبك مع هدف جليل عاش من اجله أبطال الرواية بهذا كله ممكن توصل رسالتك بكل بساطة مع علمك بتقبلها ممن استهدفت به روايتك.
لهذا نقرأ الرواية ولعدة أسباب أخرى قد تخفى على بعضنا لكن فيها النفع الكثير، من أجملها هو تعلمك للغة من غير قواعد تقيد بها نفسك على من الرغم من وجوب تعلم قواعد اللغة، تعلمك عبارات عربية فصيحة أديبة تلهمك أحيانا، وتدهشك كثيراً، أيضا توسع أفاقك الإدراكية وتصبح صاحب مخيلة واسعة تتسع بعدد الروايات التي تقرأها، وإن لم هناك سبب لقراءة الرواية إلا هذا لكفى وهو قراءة الرواية من أجل أن تحببك في الكتب وفي المطالعة والقراءة الحرة خصوصا.
تخلق لك هذه الروايات جو القراءة خصوصا إذا كانت روايات تشويقية، تعيش مع تفاصيلها لحظة بلحظة ثم يتولد في داخلك شعور بالقرب منها وما هو إلا قرب من الكتاب نفسه وبعد عدة روايات تصبح جاهز لقراءة كتب أخرى في مجالات أخرى غير مصاب بداء ترك الكتاب بعد دقائق، وتتعود على وضعية مسك الكتاب والانتباه لما فيه بتركيز كنت قد كسبته من كتب الروايات، ثم إنها للبعض متنفس آخر واستراحة من نوع أخر من قراءة في كتب الفكر أو الفلسفة أو حتى كتب المقررات والجامعة الثقيلة بما فيها من علم (بعضها جامد)، لذلك قد يجد البعض في الروايات متنفس ومخرج من ذاك الكم الهائل من المعلومات أو الفلسفات التي تتعب العقل.
فهنا نجد اختلاف نظريات القراء للرواية من محب عاشق لها، إلى مبغض كاره لما فيها إلى معتدل بين هذا وذاك، وتبقى الرواية كما هي كما كانت، الوجه المشرق للكتاب والبحر الواسع للمكتبة، على تطورها بين الماضي والحاضر، ستظل المهرب الممتع لكثير منا، لعله يتوه في عالم رواية ما؛ هرباً من عالمه الحقيقي الذي أثقله بما فيه من متاعب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.