حينما أنظر إلى ثورات الربيع العربي وأرى ما ألت إليه وكيف تغير حالها بعدما خرجت بسلمية تامة لتنهي الظلم وتسعى وراء الحرية والكرامة حالمة بغد أفضل، لتموج في بحر الحروب والثارات الداخلية والمؤامرات الخارجية تعتلي فيها الثورة السورية المرتبة الأولى كأكثر الثورات دموية ودمارا.
لماذا استمرت الحرب واستمر الصراع كل هذه المدة ؟ لماذا لم يسأم المقاتلون والجنود؟ وكيف جاء الأغراب إلى بلادنا وقاتلوا معنا أو ضدنا؟ ولماذا قدموا حياتهم على أكفهم؟ ما الذي دعا فكرا متطرفا أخرقا أن يزدهر وينضم إليه الشيوخ والشبان؟
خرجت ثورات الربيع العربي بسلمية تامة لتنهي الظلم وتسعى وراء الحرية قبل بموج بعضها في بحر الحروب |
دائما كنت حائرا في الدوافع والصورة المثالية التي يقاتل من أجلها الجميع والتي تسلب كل هذه الأرواح وتعطي مبررا لأنهار الدم لكن جاءت الإجابة في مشاهد خمس لخصن السبب ونقلنني من دار العجب إلى دار الفهم والاستيعاب وكان السبب الوحيد هو التذرع دوما بأن الرب طرف في المعركة.
المشهد الأول: ما زلت أذكر ذلك الرجل القميء الذي يطلق رصاصا من رشاشه على المدنيين وبيده سيجارة في نهار يوم من أيام رمضان ويقول "وا إمام علي"! صدم هذا المقطع السوريين وبدؤوا بالتساؤل وهل الإمام علي طرفا؟ وإذا كان من يمثل النظام مع علي رضي الله عنه فهل نحن مع معاوية؟ فعادوا لكتب التاريخ المزورة ليتحققوا من معركة لم نكن شاهدين عليها ونحمد الله على ذلك.
المشهد الثاني: أعلن حزب الله دخول المعركة لحماية مقام السيدة والثأر من أتباع يزيد حاول الشعب أن يدكر بعد أمة من شارك في قتل الحسين ؟ ولم يكن أحد من المشاركين في المعركة موجودا بين الشعب ولم يعرف أحدهم ما هو اسم والد السيدة زينب المثقفون منهم قالوا: إن المعركة بين أتباع يزيد والحسين رضي الله عنه لم تكن أصلا في الشام ويزيد لم يكن دمشقيا ولا من بلاد الياسمين وتاهوا مجددا في صحراء تحديد أي طرف كانوا وأي جريمة ارتكبوا.
المشهد الثالث: بعد عام تقريباً شاركت ميليشيات بأسماء زادت من دهشة السوريين، لواء الفاطميين وكتائب أبو الفضل العباس…وهلم جرا، أتبعه دخول الحرس الثوري الإيراني لتنقلب الساحة إلى أيام الحروب بين الفاطميين والإخشيديين تارة وبين الصفويين والعثمانيين تارة أخرى لكن هذا المشهد رتب الساحة والفكر فهذه الطوائف متشابه يجمعها عدو واحد وأصبحت الأمور متمايزة نحن وهم.
المشهد الرابع: لم تكتمل حصة التاريخ فالحروب الداخلية أشد فتكا وتنكيلا ولم يكن ينقصنا إلا هذا فـ(نحن) تجزأت وأصبحت (مرتد ومسلم)، وخرج مدعو الخلافة ليذيقوا الشعب أصنافا من العذاب وحروبا أخرى مارسوا فيها عليه محاكم التفتيش وأعدموا ثوار شعبي بجرم الهرطقة وذبح الناس كالخراف على أيدي (التتار المسلمين) وهولاكو الخليفة يخطب ويصيح إن الطريق إلى الخلاص أن تعلن ردتك لتعدم بحنان!
يصبح الإنسان مندفعا بلا عقل لا يأخذ من عزيمته ولا من إصراره شيء فعليه أن ينتصر أو يموت من أجل الرب |
المشهد الأخير: يقول تشالبن " إن قتالنا وحربنا في سورية معركة مقدسة" ورفع القساوسة الروس الصلبان وعمدوا طائرات "الميغ" بالبخور المقدس ليطهر رجسا غفل عنه أوربان الثاني ويكملوا ما بدأه ريتشارد قلب الأسد ويعلن بوتين الحملة الصليبية العاشرة على شعب لم يكن جرمه سوى أنه أحب صلاح الدين وأقام له تمثالا على أبواب الحميدية.
ست سنوات كانت كفيلة لتعلم السوريين تاريخ الصراع الديني والطائفي لم يعودوا بحاجة لشرح تلك المعضلات القديمة ولا تخيلها لقد قتلوا وقاتلوا فيها جميعا، جربوها كلها إلا صراع الملائكة والجن قبل الإنسانية.
الرب كان محفزا لكل الجنود الذين قاتلوا على أرضي، فالأخ لا يقتل أخاه مرتاح الضمير وبقلب بارد إلا إذا كان تقربا لله، فالله هو الحجة الأسهل لتقنع الناس بالحرب وتشعل حماسهم لن يضع الجندي سلاحه كي لا يخذله ولا يستسلم الغزاة لأن استسلامهم خسارة له وكيف يعقل أن يخسر الرب؟!
يصبح الإنسان مندفعا بلا عقل لا يأخذ من عزيمته ولا من إصراره شيء فعليه أن ينتصر أو يموت من أجل الرب وكأن الرب يحتاج لمن يدافع عن اسمه أو جيشا يقتل من كفر به.
تعددت الأرباب والحرب واحدة نسي المعتدي أن إعادة التاريخ لن تأتي بمخرجات جديدة وعلى هذه الأرض المقدسة والمعمدة بدماء أهلها المدافعين عنها، مر هرقل وهولاكو وغورو ولم يخلِد أحد ذكراهم وما كان لهم أن يمكثوا فيها خالدين، لفظهم شعبها وخسرت آلهتهم لقد نسوا أن الرب مع المرابطين المدافعين عن أرضهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.