شعار قسم مدونات

أمي على خطأ

blogs - son
كثيراً ما أختلف وأمي رُغم أن ذلك لم يحدث من قبل، أفكارنا متشابهة كانت، وقبولنا للأشياء لا اختلاف عليه، ضفيرة شعري واختيار ملابسي وقصص ما قبل النوم والصفحات المُضاعفة للواجب البيتي وكوب الحليب الصباحي وأشياء كثيرة كنا متفقين عليها حتي كبُرت وبدأ الخلاف بيننا. 
 
كانت المرة الأولى التي تُخطئُ فيها أمي حين رفضت دخولي قسم الاعلام أصرَّت على خوضي مجالاً بعيد عن هذا التخصُص الشُبهة.

هذي التي قلبها مثل لون الشاشِ الأبيض والمعقوف على أطرافهِ بأغصان الحياة، الهادئة الطباع تُخطئ كثيراً جداً، تُصبِحُ بلحظةٍ مثل البركان تنفجِرُ دونَ مقدماتٍ وأنا لستُ بأفضلِ منها أقف مواجهة لها، أصرخُ على اتساع المسافة "أمي أنتِ على خطأ" تُعيرني قلبها ونصير في سباقٍ طويل، نتزاحم بأفكارِنا، أترافعُ عن القضية التي أحملها، هيئة الدفاعِ هي.. تُبرر "تظلين صغيرة" تُضلل قلبي بالحب، أزيد من ثورتي أرد والصغيرات يكبُرن.. أنا أكبُر يا أمي مِثلكِ أصير.. تصمُت لا ترُد.

كانت المرة الأولى التي تُخطئُ فيها أمي حين رفضت دخولي قسم الإعلام، أصرَّت على خوضي مجالاً بعيدا عن هذا التخصُص الشُبهة ولم تكن تعلم بأني لا أرى نفسي إلا فيه، نظارتي جيدة يا أمي "أنا أرى الأشياء التي تُناسبني جداً" كان إصرارها كبير، كان حبها أكبر، كان خطأها أكثر حتى انتصرت أنا في آخر أيام التسجيل.


تحمِلُ جيشاً من الحرسِ لمرافقتي في اليوم الأول للجامعة، أسنِدُ رأسي على كتِفها، أتأمل الطريق الطويل، تصِلُ السيارة بعد ساعةٍ عند باب الجامعة أخشى من جدالٍ أخير، أخشى من التراجع ندخُلَ البوابة الكبيرة، أقفز للشبابيك، أصِلُ دائرة القبول، أُمرًّرُ الأوراق، أُتمم التسجيل ترقبني هي، تبتسمَ رُغماً عن كشرتها أسمع أصابع قلبها تصفقُ من الداخل فتطمئن. 
 

بعد انتصاري الأوَّل بعام يرقص الهاتف بجانبي.. أرد، "فرصة للسفر" تُسافري؟ أُجيب: "بسافر امتا الموعد؟" أسرقُ نصف عيني لها تأكُلني بالنظرة أُنهي المُكالمة تسأل: مين بدو يسافر أرد أنا.. وتحسم الموضوع "ما في سفر".. المبررات لأمي كثيرة تبدأ بأني ما زلتُ صغيرة وتُنهي كوني بنت نتعارك كثيراً، تفوضُ الأمرَ لوالدي المُسافر حينها.. تُجزم برفضه يقبل هو، تستسلِم أمي، تُغرقني بالدعوات، أهبط بحقيبتي للأسفل ويهبط قلبها معي أحمله فوق رأسي أركضُ بدعواتها الكثيرة أحصد قوتي منها وأعود بعد سفرٍ فتجد عودي أكثر صلابة لا تخشى شيئاً علىَّ حتى تنسى، يُزاحمها الخوف وتعود للخطأ من جديد. 

أهرب لنفسي وأسأل متى يعرفنَ الأمهات بأنَّ الزمن قد تغير وأنَّا قويات جداً وعقولنا غير مُترهِّلة، ومتى سيؤمِنَّ بأن الخوف موتٌ لنا

أُنهي دراستي الجامعية بعد أن حصلت على فرصة عملٍ جيدة قبل سنوات وبداية المشوار لأبدأ بالتفكير بالسفر وإكمال دراستي العُليا فترى من غير المنطق أن أُسافر وحدي وأنه من الخطأ أن أضلَّ دون زواج، يُصبِحُ الأمر فرضاً، أتأذى أنا أشعر أنه من غيرِ المنطق أن أقبلَ بحياةٍ لم أتهيئ لها بعد وأدخل بصراعٍ لا ينتهي.

تراني أعيشُ عالماً لا واقعي وأني متأثرة جداً بالكُتب التي أقرأها، وأن الفطرة السليمة تستوجب أن أكونَ شبه بنات مجتمعي، وأن لا أخرُج عن الصف حتى وإن كان فيهِ ما فيه من العوج، حتى وإن كان صفي أفضل، حتى وإن كان بعضه الأسوأ تخشى عليَّ التجربة.. كيف أتعلم اذاً يا أمي؟ ومن قال أن الله خلقنا نُسخةً واحدة لنكون شبه بعض؟! أنا شبه نفسي. 

أهرب لنفسي وأسأل متى يعرفنَ الأمهات بأنَّ الزمن قد تغير وأنَّا قويات جداً وعقولنا غير مُترهِّلة، ومتى سيؤمِنَّ بأن الخوف موتٌ لنا والقبول بكل الأشياء دون تفكير هو استسلام.. ومتى يُدركنَ أنَّ للأنثى حياة، والأنثى قد تصير رجُل، وأنها أقوى من الرِّجال، وأنها صاحبة عقلٍ وليست ناقصة؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان