شعار قسم مدونات

جيل العرب الصاعد وأربعينيّته المنتظرة

blogs - peo
لكل قومٍ ماليناس، حتى العرب، ومالينياس (‪Millennials‬) اسم يطلق على الجيل الصاعد في أمريكا وغيرها، وسبب التسمية هي الحقبة الزمنية فقط، إذ أن الزمن وزع هذا الاسم بينهم بالتساوي بجامع الحقبة التي ولدوا وعاشوا فيها، والمهم أن نعرف أن جميع مدخلات وعمليات ومخرجات الحضارة هناك، استجابت وتستجيب لهذا الجيل، بداية من الفلسفة، وانتهاءا بالتطبيقات الحديثة.

تقول عقائد الكتب المقدسة، أن أربعين عاماً لها معنى كبير في التغيير الديمغرافي، والعقائدي، والنفسي للشعوب، وبخاصة فيما تؤمن به، وتشعر به، وما تقوم به. الزمن كفيل بإحداث التغيير، أربعون عاماً كفيلة بأن يعيدوا قراءة أنفسهم من جديد، وبناءا عليه إذا نظرت إلى دورة حياة ما يسمى بالاستقلال في الوطن العربي، تجد أن آخر الدول نالت استقلالها في مطلع  سبيعينيات القرن الماضي.  فإذا تصفحت ويكيبيديا تجد أن دولاً استقلت من بريطانيا في أول سنة من سبيعينيات القرن الماضي، وفي ويكبيديا أيضاً وبلا عناء ستجد أن أربعين عاماً كانت هي عمر المدينة النبوية الفاضلة، والتي هي الخلافة الراشدة.

واستصحاباً لذلك المعنى، تكون دورة حياة هذا المفهوم والنوع من الاستقلال في الوطن العربي، أربعون عاماً قد انتهت مع نهاية العقد الأول من ألفيتنا، وأن عام إحدى عشر بعد الألفين، هي مبتدأ أربعينية العرب القادمة، في إدارتهم لشؤون حياتهم ومماتهم، على طريقتهم الخاصة. كان من أوضح علامات هذه المرحلة، هي وقفة احتجاجية شبابية في تونس، أسقطت كل من واجهها، ليس فقط حكومة البلد التي هي فيها، بل طالت الدول المجاورة، وجوار الجوار، من المحيط إلى الخليج، حتى وضع العالم العربي يده على قلبه، ولم يرفعها حتى الآن خوفاً من ارتدادها.

لقد قام هذا الجيل بسحب الأنظمة من الظل إلى الشمس، فماعت وذابت أقنعتها، وفي أربعينيته القادمة، سيقوم بسحب بقية السلسلة حتى آخر عقدة منها، أياً كانت.

ولم تأتِ مرحلة الاستقلال حتى انتهت دورة حياة الاستعمار، حين كان يدار الوطن العربي بالقبعة مباشرة، كما كان يسمى آنذاك. إن دورة حياة كهذه يعلم الجميع أنه لا يمكن إنعاشها؛ لأن كل أجهزتها تتوقف، بل وتتوقف فجأة كما حدث آنذاك، وانكشف الموقف، واكتنف المشهد انسداد جر إلى سلسلة من الإرباك، أدى إلى ضيق الحلول، حتى ضاق لدى الكثيرين كل شيء، حتى  ضاقت عليهم أنفسهم‪.

أهم عامل لفت نظر العالم كله آنذاك، وحتى اليوم وإلى الأبد، هو الجيل الصاعد في الوطن العربي، وكان هذا أبلغ وصف له؛ لأنه الرابط الذي كان يجمعهم، بعيداً عن أي أيدلوجية أو تصنيف، أو خلفية فكرية أو ثقافية بحجم الحدث سوى نصوع مفهوم الحق لديهم في الحياة الكريمة، وغايتهم كانت حريتهم، وهدفهم التخلص من وطأة معاناة تسمى عبثاً (عيشاً). هذا الجيل اكتشف نفسه، وكشف مفهوم الاستقلال على حقيقته، واكتشفه غيره دون أي عناء يذكر.

إن قراءة جادة ومتجردة، في سيكلوجية الجيل العربي الناشئ، حتماً ستقود إلى تطور مفهوم جديد للتثقف هناك، وبناء منظومة مفاهيمية غير مشوهة، تولى هو بناءها بنفسه مستخدماً مهارتين: الأولى مهارة القفز الطويل على ما لا يريد من التطويع المحلي، باستخدام أدوات الدين والسلطة والاقتصاد والإعلام، والمنتفعين من أدوات المجتمع. والثاني: مهارة الاختيار، واختيار الأدوات والوسائل المناسبة له، وبذلك استطاع من خلالها أن يشكّل قائمة من الأساتذة ذوي المهارات العالية عالمياً، مستخدماً وسائل الاتصال الحديث، حتى غدا أكثر وعياً من دائرته المحيطة به وبإدارته.

 أول عمل قام به أساتذة ذلك الجيل، بقصد أو من دون قصد، أن سحبوه من الظل إلى الشمس، فاكتشف نفسه أنه إنسان، له يدان ولسان وشفتان وعقل، كإنسانية معلمه الذي ينعم باستقلاليته وكرامته، وأدرك أخيراً أن له الحق أيضاً أن يعيش بكرامة، فبدأ يستخدم مهارة معلّمه في سحب الأشياء من حوله، سواء في الاقتصاد والسياسة، والإعلام، والاجتماع، والدين، مستخدماً نفس الأدوات التي تواصل بها مع معلمه. فجربها واحدة تلى الأخرى، أو هي معاً. وإذا بنمط حياته ومحيط إدارته هش لا يصمد طويلاً، إلا بإسناد يزيد طولاً على سابقه، وأن صمودها معاً كان في ذهنيته فقط لا لشئ إلا نتيجة لقلة وعيه.

لقد قام هذا الجيل الصاعد  بشيء بسيط للغاية، وهو سحب الأنظمة من الظل إلى الشمس، فماعت وذابت أقنعتها، وفي أربعينيته القادمة، سيقوم وبلا أدنى شك هذه المرة أيضاً، بسحب بقية السلسلة حتى آخر عقدة منها، أياً كانت.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان